للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التمر وغيرها، وكان يتناول ما كان بأرض اليمن من خمر الحنطة والشعير والعسل وغير ذلك، ودخل في ذلك ما حدث بعده من خمر لبن الخيل الذي يتخذه الترك ونحوهم.

فلم يُفرّق أحد من العلماء بين المسكر من لبن الخيل والمسكر من الحنطة والشعير، وإِن كان أحدهما موجوداً في زمنه كان يعرفه، والآخر لم يكن يعرفه، إِذ لم يكن بأرض العرب من يتخذ خمراً من لبن الخيل.

وهذه "الحشيشة" فإِنّ أول ما بلَغَنا أنها ظهرت بين المسلمين في أواخر المائة السادسة وأوائل السابعة، حيث ظهرت دولة التتر؛ وكان ظهورها مع ظهور سيف "جنكسخان"، لما أظهر الناس ما نهاهم الله ورسوله عنه من الذنوب سلّط الله عليهم العدو.

وكانت هذه الحشيشة الملعونة من أعظم المنكرات، وهي شرٌّ من الشراب المسكر من بعض الوجوه، والمسكر شر منها من وجه آخر، فإِنها مع أنها تُسكر آكلها؛ حتى يبقى مصطولاً تورث التخنيث والديوثة، وتفسد المزاج، فتجعل الكبير كالسفنجة وتوجب كثرة الأكل، وتورث الجنون، وكثير من الناس صار مجنوناً بسبب أكْلِها.

ومن الناس من يقول إِنها تغيّر العقل فلا تسكر كالبنج؛ وليس كذلك بل تورث نشوةً ولذةً وطرباً كالخمر، وهذا هو الداعي إِلى تناولها، وقليلها يدعو إِلى كثيرها كالشراب المسكر، والمعتاد لها يصعب عليه فطامه عنها أكثر من الخمر؛ فضررها من بعض الوجوه أعظم من الخمر؛ ولهذا قال الفقهاء: أنه يجب فيها الحد، كما يجب في الخمر" (١).


(١) انظر "الفتاوى" (٣٤/ ٢٠٤) ونقله السيد سابق -رحمه الله- ملخصاً في "فقه السنة" (٣/ ١٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>