قلت (١): ومثل هذا الساحر المقتول، هؤلاء الطرقيَّة الذين يتظاهرون بأنَّهم من أولياء الله، فيضربون أنفسهم بالسيف والشيش، وبعضه سحر وتخييل ولا حقيقة له، وبعضه تجارب وتمارين، يستطيعه كل إِنسان من مؤمن أو كافر إِذا تمرّس عليه وكان قويّ القلب، ومن ذلك مسُّهم النار بأفواههم وأيديهم، ودخولهم التنّور.
ولِي مع أحدهم في حلب موقف تظاهر فيه أنَّه من هؤلاء، وأنَّه يطعن نفسه بالشيش، ويقبض على الجمر فنصحْته، وكشفْت له عن الحقيقة، وهددته بالحرق إِن لم يرجع عن هذه الدّعوى الفارغة! فلم يتراجع.
فقمت إِليه وقرَّبت النار من عمامته مهدِّداً، فلمَّا أصرَّ أحرقْتُها عليه، وهو ينظر! ثمَّ أطفأتها خشية أن يحترق هو من تحتها معانداً.
وظنِّي أنَّ جندباً -رضي الله عنه- لو رأى هؤلاء لقتلهم بسيفه كما فعل بذلك الساحر {وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى}". انتهى.
وقال الإِمام الترمذي -رحمه الله- عقب أثر جندب -رضي الله عنه- السابق: "والعمل على هذا [أي: الضَّرب بالسيف] عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرهم، وهو قول مالك بن أنس وقال الشافعي -رحمه الله-: إِنَّما يُقتل الساحر إِذا كان يعمل في سحره ما يبلُغ به الكفر، فإِذا عمل عملاً دون الكفر؛ لم نَرَ عليه قتلا".