للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجاء في "مجموع الفتاوى" (٣٤/ ١٦٢): "وسئل -رحمه الله- عن الرجل يلطِم الرجل أو يكلمه، أو يسبّه؛ هل يجوز أن يُفعَل به كما فعَل؟

فأجاب: وأمّا القِصاص في اللطمة والضربة ونحو ذلك؛ فمذهب الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة والتابعين؛ أنّ القِصاص ثابت في ذلك كلّه، وهو المنصوص عن أحمد في رواية إِسماعيل بن سعيد الشالنجي، وذهب كثير من الفقهاء؛ إِلى أنه لا يشرع في ذلك قِصاص؛ لأنّ المساواة فيه متعذرة في الغالب.

وهذا قول كثير من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد؛ والأول أصحّ؛ فإِن سُنّة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مضَت بالقِصاص في ذلك وكذلك سُنّة الخلفاء الراشدين، وقد قال -تعالى-: {وجزاءُ سيئةٍ سيئة مِثلها} (١).

وقال -تعالى-: {فمن اعتدى عَلَيْكم فاعْتَدُوا عَلَيه بمثْل ما اعْتَدى عَلَيْكُم} (٢) ونحو ذلك.

وأمّا قول القائل: إِنّ المماثلة في هذه الجناية متعذرة. فيقال: لا بدّ لهذه الجناية من عقوبة: إِمّا قِصاص، وإِمّا تعزير، فإِذا جوّز أن يُعزر تعزيراً غير مضبوط الجنس والقدر؛ فلأن يعاقب إِلى ما هو أقرب إِلى الضبط من ذلك أولى وأحرى. والعدل في القِصاص مُعتَبر بحسب الإِمكان.

ومن المعلوم أن الضارب إِذا ضرب ضربة مثل ضربته أو قريباً منها كان هذا أقرب إِلى العدل من أن يُعزَّر بالضرب بالسوط؛ فالذي يمنَع القِصاص في ذلك


(١) الشورى: ٤٠.
(٢) البقرة: ١٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>