للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبأن يردّ بأفحش كما لو قيل له: يا كلب فقال له: أنت خنزيز.

وكما لو سبّه البادئ فسبّ الراد آباء البادئ وكان ذلك عداء؛ لأنّه سبّ من لم يجْن عليه، وكانت هذه المذكورات عداءً؛ لأنَّ الانتصار إِنّما هو من باب القِصاص، والقِصاص إِنما يكون بالمِثل للآيتين السابقتين".

والخلاصة: إِنّ إِثم السبّ والشتم الصادر من المسْتبّين المشاتمين على من بَدأَ لأنّه السبب في ذلك، ما لم يعْتد المظلوم ويتجاوز الحدّ؛ بأن يسبّه أكثر وأفحش ففيه جواز السب والشتم بالشرط المذكور، والعفو أفضل.

ويُحمَل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "المستبّان شيطانان يتهاتران ويتكاذبان" (١) على الاعتداء في القِصاص.

وتجاوز الحدّ، ومقابلة المعصية بمثلها أو أكثر؛ فقد تقدم أن المعصية لا تقابَل بالمعصية، وهنا قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يتهاتران" أي: يتقاولان ويتقابحان في القول من الهِتر -وهو الباطل والسَّقط من الكلام، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أيضاً: "يتكاذبان" وتقدّم القول بتحريمه. والله -تعالى- أعلم.

وفي الحديث: "لَيُّ الواجد يُحِلّ عرضه وعقوبته (٢) " (٣).


(١) انظر "صحيح الأدب المفرد" (٣٣٠).
(٢) أخرجه أحمد وأبو داود "صحيح سنن أبي داود" (٣٠٨٦)، وابن ماجه، "صحيح سنن ابن ماجه" (١٩٧٠)، وغيرهما. وانظر "الإرواء" (١٤٣٤) ورواه البخاري معلّقاً "كتاب الاستقراض" (باب لصاحب الحقّ مقال).
(٣) قال ابن المبارك: "يُحِلّ عرضه يغلظ له، وعقوبته يحبس له".
ليّ الواجد: أي مطلق الغنى، والليّ بالفتح المطل، وأصله لوى فأُدغمت الواو في الياء. =

<<  <  ج: ص:  >  >>