للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنّ هذه الأعذار تمنعه من الجهاد؛ فأمّا العَمَى فمعروف، وأمّا العَرَج، فالمانع منه هو الفاحش الذي يمنع المشي الجيِّدَ والرُّكوب؛ كالزَّمَانَة (١) ونحوها.

وأمّا اليسير الذي يتمكن معه من الركوب والمشي، وإنما يتعذر عليه شدة العَدْو؛ فلا يَمنَع وجوب الجهاد؛ لأنه يَتَمكن منه، فشابَه الأعور.

عن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: "أتى عمرو بنُ الجَمُوحِ إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله! أرأيتَ إنْ قَاتَلْتُ في سبيل الله حتى أُقتل! أَمشي برجلي هذه صحيحةً في الجنة؟ وكانت رِجْلُه عَرْجاءَ، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نعم، فَقُتلوا يوم أُحُد: هو وابنُ أخيه ومولىً لهم، فَمَرَّ عليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: كأني أنظرُ إليك تمشي بِرِجْلِك هذه صحيحةً في الجنةِ، فأمَر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهما وبمولاهما، فَجُعِلوا في قبر واحدٍ" (٢).

وكذلك المرض المانع هو الشديد، فأمَّا اليسير منه الذي لا يمنع إمكان الجهاد؛ كوجع الضرس والصداع الخفيف، فلا يَمنَع الوجوب؛ لأنه لا يتعذَّرُ معه الجهاد؛ فهو كالعَوَر.

وأمّا وجود النفقة، فيُشترط؛ لقول الله -تعالى-: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} (٣).

ولأنَّ الجهاد لا يمكن إلاَّ بآلة، فيُعتبر القدرة عليها.


(١) الزّمانة: مرضٌ يدوم.
(٢) أخرجه أحمد بسند حسن كما قال الحافظ، كذا في "أحكام الجنائز" (ص ١٨٥).
(٣) التوبة: ٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>