للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لبعضٍ فتنةً أتصبرون وكان ربك بصيراً} (١)، وقال -تعالى-: {ذَلِكَ وَلَو يشاء الله لَاَنتصَرَ منهُم ولكن ليبلوا بعضكم ببعضٍ} (٢)، وقال -تعالى-: {ولنبلوكم حتى نعلم المجاهدين منكم ونبلوا أخباركم} (٣). فأعطى عباده الأسماعَ والأبصارَ، والعقول والقُوى، وأنزل عليهم كُتبه، وأرسل إليهم رسُله، وأمدّهم بملائكته، وقال لهم: {أني معكم فثبتوا الذين آمنوا} (٤)، وَأَمَرَهُم مِن أمره بما هو مِن أعظم العون لهم على حرب عدوِّهم، وأخبَرَهم أنهم إنِ امتثلوا ما أمَرَهم به؛ لم يزالوا منصورين على عدوِّه وعدوِّهم، وأنه إِنْ سلَّطه عليهم فلِتَرْكِهم بعضَ ما أُمِروا به؛ ولمِعصيتهم له، ثمّ لم يُؤْيسهُم، ولم يُقَنِّطْهُم، بل أَمَرَهُم أن يستقْبِلوا أمْرَهم، ويُداووا جِرَاحَهُم، ويعودوا إلى مناهضة عدوِّهم فينصرهم عليهم، ويظفرهم بهم، فأخبَرَهُم أنه مع المتقين منهم، ومع المحسنين، ومع الصابرين، ومع المؤمنين، وأنَّه يُدافع عن عباده المؤمنين ما لا يدافعون عن أنفسهم، بل بدفاعه عنهم انتصروا على عدوِّهم، ولولا دفاعُه عنهم؛ لتخطَّفَهم عدوُّهم واجتاحَهم ...

وهذه المدافعةُ عنهم بحسب إيمانِهم، وعلى قدْرِه، فإنْ قَوِيَ الإيمانُ قويتِ المدافعة، فمَنْ وجد خيراً، فليحمد الله، ومَن وجد غيرَ ذلك، فلا يلومنَّ إلاَّ نفسه.

وأمَرَهم أنْ يُجاهدوا فيه حقّ جهاده، كما أمَرَهم أن يتَّقوه حقَّ تقاته. وكما أن حقّ تقاته أن يُطاع فلا يُعصى، ويذكَرَ فلا يُنسى، ويُشكَر فلا يُكفر، فحقُّ جهادِه أن يجاهد العبد نفسه؛ لِيُسلِم قلبَه ولسانَه وجوارحَه لله، فيكون كلُّه لله، وبالله، لا


(١) الفرقان: ٢٠.
(٢) محمد: ٤.
(٣) محمد: ٣١.
(٤) الأنفال: ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>