للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبي: فوالله ما علمْتُ من المسلمين أحداً يُحبُّ أن يرجع إلى أهله حتى يُقْتل أو يَظفَر. فَثَبتوا لنا، فلم نسمع إلاَّ وقْع الحديد على الحديد، حتى أصيب في المسلمين عصابة عظيمة. فلما رأوا صبرنا ورأونا لا نريد أن نرجع انهزموا، فجعل يقع الرجل فيقع عليه سبعة في قران، فُيقتلون جميعا، وجَعل يعقرهم حَسَكُ الحديد خلفهم. فقال النعمان: قدِّموا اللواء، فجعلنا نُقدّم اللواء فنقتلهم ونهزمهم.

فلمّا رأى النعمان قد استجاب الله له ورأى الفتح، جاءته نُشَّابَة (١) فأصابت خاصرته، فقتلته. فجاء أخوه معقل بن مُقَرِّن فسجى عليه ثوباً (٢)، وأخذ اللواء، فتقدَّم ثمّ قال: تقدَّموا رحمكم الله، فجعلنا نتقدم فنهزمهم ونقتلهم، فلمَّا فرغنا واجتمع النّاس قالوا: أين الأمير؟ فقال معقل: هذا أميركم قد أقرَّ الله عينه بالفتح، وختَم له بالشهادة. فبايع الناس حذيفةَ بنَ اليمان.

قال: وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بالمدينة يدعو الله، وينتظر مثل صيحة الحبلى، فكتَب حذيفة إلى عمر بالفتح مع رجل من المسلمين، فلمّا قَدِم عليه قال: أبشِر يا أمير المؤمنين بفتحٍ أعزَّ الله فيه الإسلام وأهله، وأذلَّ فيه الشرك وأهله. وقال: النعمان بعثك؟ قال: احتسبْ النعمان يا أمير المؤمنين، فبكى عمر واسترجع، فقال: ومن ويحك؟ قال: فلان وفلان -حتى عدّ ناساً- ثمّ قال: وآخرين يا أمير المؤمنين لا تعرفهم. فقال عمر رضوان الله عليه -وهو يبكي-: لا يضرهم أن لا يعرفهم عمر، لكن الله يعرفهم" (٣).


(١) مفرد النُشَّاب، وهو النَّبْل.
(٢) أي: غطّاه بثوب.
(٣) أخرجه ابن جرير الطبري في التاريخ، وابن حبان والسياق له، وإسناده صحيح، وأصْلُه في البخاري (٣١٥٩، ٣١٦٠) وانظر للمزيد من الفوائد الحديثية "الصحيحة" برقم (٢٨٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>