"وقد ذَهَب الجمهور؛ إلى أنَّه يَجب استئذان الأبوين في الجهاد، ويَحرُم إذا لم يأذنا أو أحدهما، لأنّ بِرّهما فَرْضُ عين، والجهاد فرضُ كفاية، قالوا: وإذا تعيَّن الجهاد فلا إِذْن ... ".
وقال العلّامة أحمد شاكر -رحمه الله-: "ولعل الأحسن في التوفيق بين الحديثين، أن يُجْعَل ذلك إلى رأي الإمام أو المكلِّف، فإنْ كانت المصلحة تقتضي بأحدهما وجب تقديمه، وقد كان المهاجرون والأنصار يجاهدون، ولم نر في شيء من الروايات، أنهم كانوا يلتزمون استئذان الوالدين في كل غزو".
وجاء في "المغني"(١٠/ ٣٨٣):
" (وإذا خوطب في الجهاد فلا إذْن لهما، وكذلك كلّ الفرائض لا طاعة لهما في تركها) يعني إذا وجَب عليه الجهاد لم يُعتَبَرْ إذن والديه، لأنه صار فرْضَ عين، وترْكه معصية، ولا طاعة لأحد في معصية الله، وكذلك كلّ ما وجب، مثل: الحجّ، والصلاة في الجماعة والجمع، والسفر للعِلم الواجب.
قال الأوزاعي: لا طاعة للوالدين في تَرْك الفرائض والجُمَع والحجّ والقتال، لأنها عبادة تعيّنت عليه، فلم يُعتَبر إذن الأبوين فيها كالصلاة، ولأنّ الله -تعالى- قال:{وَللهِ عَلَى اَلنَّاسِ حِجُّ اَلبَيتِ مَنِ اَسْتَطَاعَ إليَهِ سبيلاً}، ولم يَشتَرِط إذن الوالدين".
وجاء في كتاب "الإنجاد في أبواب الجهاد"(١)(١/ ٥٢): "وأمَّا مَن له
(١) تصنيف الإمام أبي عبد الله محمد بن عيسى بن محمد بن أصبغ الأزدي القرطبي المعروف بابن المُناصف -رحمه الله-، علّق عليه وخرّج أحاديثه مشهور بن حسن آل سلمان ومحمد بن زكريا أبو غازي -حفظهما الله-.