للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

د. وهذا يقوِّي ما قاله الفقهاء من عدم مشروعية مقاتلة مَن لا رأيَ لهم في القتال، ولا هم فيه مِن أهل المشورة.

وقال شيخ الإسلام -رحمه الله- في "مجموع الفتاوى" (٢٨/ ٣٥٤): "وإذا كان أَصْل القتال المشروع هو الجهاد، ومقصودُه هو أن يكونَ الدين كلُّه لله، وأن تكونَ كلمة الله هي العليا، فمن امتنَع مِن هذا قوتل باتفاق المسلمين.

وأمّا من لم يكن مِن أهل الممانعة والمقاتَلة، كالنساء والصبيان، والراهب، والشيخ الكبير، والأعمى، والزَّمِن، ونحوِهم فلا يُقْتَل عند جمهور العلماء؛ إلاَّ أن يُقاتِل بقولِه أو فِعْلِه، وإنْ كان بعضهم يرى إباحةَ قَتْلِ الجميع لمجرد الكفر؛ إلاَّ النساءَ والصبيان؛ لكونهم مالاً للمسلمين.

والأوّل هو الصواب؛ لأن القتال هو لمن يقاتلنا، إذا أرَدْنا إظهارَ دينِ الله، كما قال الله -تعالى-: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (١)، وفي "السنن" عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أنَّه مرَّ على امرأةٍ مقتولة في بعض مغازيه، قد وقف عليها الناس. فقال: ما كانت هذه لتُقاتِل" (٢). وقال لأحدهم: "الحَقْ خالداً فقل له: لا تَقْتُلوا ذُريّةً ولا عسيفاً" (٣).

وذلكَ أنّ الله تعالى أباحَ مِنْ قَتْلِ النفوس ما يُحتاج إليه في صلاح الخلق، كما قال -تعالى-: {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} (٤). أي: أنّ القتل وإنْ كان فيه شرٌّ وفساد، ففِي فِتْنة الكُفّار مِن الشرّ والفساد ما هو أكبر منه.


(١) البقرة: ١٩٠.
(٢) تقدّم تخريجه.
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) البقرة: ٢١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>