وخلاصة القول: وجوب الثبات عند لقاء العدوّ، وعدم التولي مِن ميدان القتال، إلاّ إذا رأى أنّ الأفضل والأنفع؛ أن يفرّ ويكرّ، أو يفرّ مِن فئة إلى أخرى من المسلمين؛ يعاونهم ويعانوه ويقوِّي بعضهم بعضا، مع جواز فِرار الرجل من الثلاثة، وتحريم فِراره من الرجلين.
لأنه ربّما رجّح أنّه سيُقتل مِن غير فائدة مِن قِبَل الثلاثة، ففراره على التفصيل السابق، أو لأجل معركة أُخرى، وهو الأنفع، والله -تعالى- أعلم.
وجاء في "المغني"(١٠/ ٥٥٣): "وإذا كان العدوّ أكثرَ من ضِعف المسلمين، فغلَبَ على ظنّ المسلمين الظَّفَر، فالأولى لهم الثبات؛ لما في ذلك من المصلحة.
وإنْ انصرفوا جاز؛ لأنّهم لا يأمنون العَطَب والحُكم عُلّق على مظنّته، وهو كونهم أقلَّ مِن نصف عددهم، ولذلك لَزمَهم الثبات؛ إذا كانوا أكثر من النصف، وإنْ غلَب على ظنّهم الهلاك فيه، ويحتمل أن يلزَمهم الثبات إنْ غلَب على ظنّهم الظَّفَر، لما فيه مِن المصلحة.
وإن غلب على ظنهم الهلاك في الإقامة، والنجاة في الانصراف؛ فالأولى لهم الانصراف، وإنْ ثبتوا جاز، لأنّ لهم غرضاً في الشهادة، ويجوز أن يغلبوا أيضاً.
وإنْ غلَب على ظنهم الهلاك في الإقامة والانصراف، فالأولى لهم الثبات، لينالوا درجة الشهداء المُقبِلين على القتال محُتسِبين، فيكونون أفضل مِن المولّين، ولأنه يجوز أن يَغلِبوا أيضاً، فإنّ الله -تعالى- يقول:{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}(١) ولذلك صبَر عاصم وأصحابُه، فقاتلوا