قال محمد بن رشد: أمّا إذا فعَل ذلك إرادةَ السمعة والشجاعة، فلا إشكال ولا اختلافَ في أنّ ذلك من الفعل المكروه، وأمّا إنِ اضطرَّ إلى ذلك بإحاطة العدوِّ به، فَفَعلَهُ مخافة الأسر؛ فلا اختلاف في أنّ ذلك من الفعل الجائز، إنْ شاء أن يستأسر، وإنْ شاء أن يحمل على العدوِّ، ويحتسب نفسه على الله، وأمّا إذا كان في صفِّ المسلمين، وأراد أن يُحمل على الجيش من العدوِّ وحده؛ مُحْتسِباً بنفسه على الله ليُقوِّي بذلك نفوس المسلمين، ويُلقي الرعب في قلوب المشركين، فمِن أهل العلم مَن كَرهه ورآه مما نهى الله عنه مِن الإلقاء إلى التهلكة؛ لقوله- عز وجل-: {وَلَا تُلْقُوا بِأيدِيكم إلى التهلُكَةِ}، وممَن رَوَىَ ذلك عمرو بن العاص، ومنهم من أجازه واستحبَّه لمن كانت به قوة عليه، وهو الصحيح" ... قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في "قاعدة في الانغماس في العدوِّ، وهل يباح ... " (ص ٢٤): "والرجل يَنْهزِم أصحابُه، فيقاتِل وحده، أو هو وطائفة معه العدوَّ، وفي ذلك نكاية في العدوِّ، ولكن يظنُّون أنهم يُقْتلون، فهذا كلّه جائز عند عامّة علماء الإسلام؛ مِن أهل المذاهب الأربعة وغيرهم، وليس في ذلك إلاَّ خلاف شاذّ. وأمّا الأئمّة المتبوعون كالشافعي وأحمد وغيرِهما؛ فقد نصّوا على جواز ذلك، وكذلك هو مذهب أيى حنيفة ومالك وغيرهما"، ودلَّل عليه بتطويلٍ من الكتاب والسنة وإجماع السلف، ونحوه في "مجموع الفتاوى" (٢٨/ ٥٤٠) له. وقال الشافعي -رحمه الله- في "الأم" (٤/ ٩٢): "لا أرى ضيقاً على الرجل أن يُحْمل على الجماعة حاسراً، أو يبادر الرجل، وإنْ كان الأغلب أنّه مقتول؛ لأنه قد بودر بين يدي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وحَمَل رجلٌ من الأنصار حاسراً على جماعة من المشركين يوم بدر، بعد =