وهؤلاء الذين تفرَّقوا واختلفوا حتى صار عنهم مِن الكُفر ما صار، وقد قال النبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا ترجعوا بعدي كُفّاراً، يضرب بعضكم رقاب بعض"(١) فهذا مِن الكُفر؛ وإنْ كان المسلم لا يُكفَّر بالذنب، قال -تعالى-: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.
فهذا حُكم الله بين المقتتلين من المؤمنين: أخبر أنهم إخوة، وأمر أوّلاً بالإصلاح بينهم إذا اقتتلوا {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى} ولم يَقْبَلوا الإصلاح {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ} فأمَر بالإصلاح بينهم بالعدل بعد أن {تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} أي ترجعَ إلى أمر الله، فمَن رجَع إلى أمر الله؛ وجَب أن يُعدَل بينه وبين خصمه، ويُقسَط بينهما، فَقَبْل أن نُقاتِل الطائفة الباغية وبعد اقتتالهما؛ أُمِرنا بالإصلاح بينهما مطلقا؛ لأنه لم تُقهَر إحدى الطائفتين بقتال.
وإذا كان كذلك؛ فالواجب أن يُسعى بين هاتين الطائفتين بالصلح الذي أَمَر الله به ورسوله، ويقال لهذه: ما تَنْقِم من هذه؟ ولهذه: ما تَنْقِم من هذه؟ فإنْ ثبَت على إحدى الطائفتين أنها اعتدت على الأخرى: بإتلاف شيءٍ من الأنفس، والأموال؛ كان عليها ضمان ما أتلفته، وإنْ كان هؤلاء أتلفوا لهؤلاء وهؤلاء أتلفوا لهؤلاء تقاصّوا بينهم، كما قال الله -تعالى-: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى}.