للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحدثوا أنّك رجحْتَ لهم عن كُفرك، فخطَب الناسَ في صلاة الظهر فذكَر أمْرَهم فعابه، فوثبوا من نواحي المسجد يقولون: لا حُكم إلاّ لله، واستقبله رجل منهم واضع أصبعيه في أذنيه فقال: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (١) فقال عليّ: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} (٢) " (٣).

ومِن أجل فهم مُراد عليٍّ -رضي الله عنه- لا بُد من معرِفة سياق الآية، قال الله -تعالى-: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ * كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} (٤).

يعني: مِن شأن الكافرين إذا رأوا الآيات البيّنات والمُعجِزات الباهرات، أن يحكُموا ببطلان مَن جاء بها؛ لأنّه قد طُبع على قلوبهم فهم لا يفقهونها، فأمرَ الله -تعالى- نبيّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالصبر على مخالفتهم وعنادهم وأذاهم، فالعاقبة له ولمن اتبعَه في الدارَيْن.

وأمَرَه -سبحانه- ألاّ يستخفنّ حِلْمه ورأيه (٥) أولئك المشركين الذين لا


(١) الزمر: ٦٥.
(٢) الروم: ٦٠.
(٣) أخرجه ابن جرير في "تاريخه"، وصححه شيخنا -رحمه الله- في "الإرواء" (٢٤٦٨).
(٤) الروم: ٥٨ - ٦٠.
(٥) انظر تفسير الإمام الطبري -رحمه الله- لقوله -تعالى-: {وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>