قال ابن كثير -رحمه الله -بحذف-: "هذا وَعْدٌ مِن الله لرسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ بأنه سيجْعَل أمّته خلفاء الأرض، أي: أئمّة الناس والولاة عليهم، وبهم تصلُح البلاد، وتخضع لهم العباد، ولَيُبدلَنّ بعد خوفهم من الناس أمناً وحُكماً فيهم، وقد فعَل تبارك -وتعالى- ذلك، وله الحمد والمِنّة، فإنه لم يمت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حتى فتَح الله عليه مكّة وخيبر والبحرين، وسائرَ جزيرة العرب، وأرض اليمن بكمالها، وأخَذ الجزية مِن مجوس هَجَر، ومِن بعض أطراف الشام، وهاداه هِرَقْل مَلِك الروم وصاحب مصر والاسكندرية -وهو المقوقس- وملوك عمان والنجاشي ملك الحبشة، الذي تَملَّك بعد أصْحَمة -رحمه الله وأكرمه-.
ثمّ لمّا مات رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واختار الله له ما عنده مِن الكرامة، قام بالأمر بعده خليفته أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-، فلمَّ شَعْث ما وَهَى عند موته - عليه الصلاة والسلام- وأطَّدَ جزيرة العرب ومهَّدها، وبعَث الجيوش الإسلامية إلى بلاد فارس صحبة خالد بن الوليد -رضي الله عنه-، ففتحوا طَرَفاً منها، وقتلوا خلقاً مِن أهلها، وجيشاً آخر صحبة أبي عبيدة -رضي الله عنه-، ومَن معه مِن الأمراء إلى أرض الشام، وثالثاً صحبة عمرو بن العاص -رضي الله عنه- إلى بلاد مصر، ففتَح الله للجيش الشاميّ في أيامه بُصرى ودمشق ومَخَاليفهما من بلاد حوران، وما والاها، وتوفاه الله -عز وجلّ-، واختار له ما عنده مِن الكرامة.
ومَنّ على الإسلام وأهله؛ بأن أَلهْمَ الصِّديق أن استخلَف عمرَ الفاروق، فقام في الأمر بعده قياماً تامّاً، لم يَدُر الفَلَك بعد الأنبياء -عليهم السلام- على مثله، في قوة سيرته وكمال عَدْله، وتمّ في أيامه فتْح البلاد الشاميّة بكمالها، وديار مصر إلى آخرها، وأكثر إقليم فارس، وكَسَّر كسرى وأهانه غاية الهوان، وتقهقر إلى أقصى مملكته، وقَصَّر قيصر، وانتزع يدَه عن بلاد الشام فانحاز إلى القُسطنطينة،