للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كانت البدعة تستجلب غضب الله؛ فكيف ينصرنا وهو غاضب علينا؟! وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنّ الله حجَب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدَع بدعته" (١).

وهل ينتصر إلاّ التائبون.

ولا تنس أنّ المبتدع قد يبلغ أمره إلى حمْل السلاح ومقاتلة أهل الحقّ.

فعن الحَكَم بن المبارك عن عمر بن يحيى قال: سمعْتُ أبي يحدِّث عن أبيه قال: "كنّا نجلس على بابِ عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة، فإذا خرَج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري، فقال: أخرَج إليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا: لا، فجلس معنا حتى خرَج، فلمّا خرَج قمنا إليه جميعاً، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن! إنّى رأيت في المسجد آنفاً أمراً أنكرْتُه، ولم أرَ والحمد لله إلاَّ خيراً، قال: فما هو؟ فقال: إن عشت فستراه.

قال: رأيت في المسجد قوماً حلقاً جلوساً، ينتظرون الصلاة، في كلّ حلقةٍ رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبّروا مائة، فيكبّرون مائة، فيقول: هلِّلوا مائة، فيهلّلون مائة، ويقول: سبِّحوا مائة، فيسبّحون مائة.

قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلتُ لهم شيئاً انتظار رأيك -أو انتظار أمرك-، قال: أفلا أمرْتَهم أن يعدّوا سيئاتهم، وضمِنْت لهم أن لا يضيع مِن حسناتهم شيء؟

ثمّ مضى ومضينا معه، حتى أتى حلقة مِن تلك الحلق، فوقَف عليهم، فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن! حصى نعدُّ به التكبير


(١) أخرجه الطبراني في "الأوسط" وغيره، وانظر "صحيح الترغيب" (٥٤) و"الصحيحة" (١٦٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>