وأنا أرى أنَّ الصواب رأي الجمهور، وأنّ ما ورَد عن الصحابة ليس نصّاً على أنَّهم كانوا يريدون بـ (الكفر) هنا الكفر الذي يُخلِّد في النار ...
ثمَّ وقفْتُ على "الفتاوى الحديثة"(٨٤/ ٢) للحافظ السخاوي، فرأيته يقول بعد أن ساق بعض الأحاديث الواردة في تكفير تارك الصَّلاة -وهي مشهورة معروفة-: "ولكن؛ كل هذا إِنَّما يُحمل على ظاهره في حقّ تاركها جاحداً لوجوبها، مع كونه ممَّن نشأ بين المسلمين؛ لأنَّه يكون حينئذ كافراً مرتدّاً بإِجماع المسلمين، فإِنْ رجع إِلى الإِسلام؛ قُبِل منه وإِلاَّ قُتل.
وأمّا من تركَها بلا عذر بل تكاسلاً مع اعتقاد وجوبها؛ فالصحيح المنصوص الذي قطَع به الجمهور أنَّه لا يكفر، وأنَّه -على الصحيح أيضاً بعد إِخراج الصَّلاة الواحدة عن وقتها الضروري؛ كأن يترك الظهر مثلاً حتى تغرب الشمس، أو المغرب حتى يطلع الفجر؛ يستتاب كما يستتاب المرتدّ، ثمَّ يُقتل إِن لم يَتُب، ويُغسل ويصلَّى عليه ويُدفن في مقابر المسلمين، مع إِجراء سائر أحكام المسلمين عليه (١)، ويؤول إِطلاق الكفر عليه لكونه شاركَ الكافر في بعض أحكامه، وهو وجوب العمل؛ جمعاً بين هذه النصوص وبين ما صحّ أيضاً عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّه قال: "خمس صلوات كتبهنّ الله ... (فذكر الحديث، وفيه:) إِنْ شاء عذبه، وإِن شاء غفر له"، وقال أيضاً: "من مات وهو يعلم أن لا إِله إلاَّ الله؛ دخل الجنّة" إِلى غير ذلك ... ولهذا لم يزل المسلمون يَرِثون تارك الصَّلاة ويورّثونه، ولو كان كافراً؛ لم يُغفر له؛ لم يَرِث ولم يُورَث".
وقد ذكر نحو هذا الشيخ سليمان عبد الله في "حاشيته على المقنع"
(١) سيأتي كلام شيخنا في إِبطال هذا؛ عما قريب -بإِذن الله تعالى-.