للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحديث عمرو بن عبسة -رضي الله عنه- في قصة إِسلامه، وفيه: "فقلتُ: يا نبي الله! أخبِرني عمَّا علَّمك الله وأجهلُهُ، أخبرْني عن الصلاة؟ ".

قال: "صلِّ صلاة الصبح. ثمَّ أقْصِرْ عن الصَّلاة حتى تطلع الشمس حتَّى ترتفع، فإِنّها تطلعُ حين تطلعُ بين قرْني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار، ثمَّ صلِّ فإِنَّ الصَّلاة مشهودةٌ محضورةٌ (١) حتَّى يستقلَّ الظِّلُّ بالرمح (٢). ثمَّ أقصِرْ


= ... وكان فيه تنبيهٌ على أنَّ كلّ ما يفعله المشركون من العبادات ونحوها ممّا يكون كفراً أو معصية بالنية؛ يُنهى المؤمنون عن ظاهره، وإنْ لم يقصدوا به قصْد المشركين سدّاً للذريعة، وحسماً للمادة"، ولهذا نهَى عن الصلاة إِلى ما عُبد من دون الله في الجملة، وإِن لم يكن العابد يقصد ذلك، ولهذا يُنهى عن السجود لله بين يدي الرّجل، وإن لم يقصد الساجد ذلك، لِمَا فيه من مُشابهة السجود لغير الله.
فانظر كيف قَطَعت الشريعة المشابهة في الجهات وفي الأوقات، وكما لا يُصلّي إِلى القبلة التي يُصلون إِليها؛ كذلك لا يصلّي إِلى ما يُصلّون له؛ بل هذا أشدّ فساداً، فإِنَّ القبلة شريعة من الشرائع، قد تختلف باختلاف شرائع الأنبياء، أمَّا السجود لغير الله وعبادته؛ فهو مًحرّم في الدين الذي اتفقت عليه رسل الله، كما قال سبحانه وتعالى: {واسألْ من أرسَلْنا من قبلِك من رُسُلنا أجعَلْنا من دون الرحمن آلهةً يُعبدون}. [الزخرف: ٤٥].
(١) أي: تشهدها الملائكة وتحضرها.
(٢) قال النووي -رحمه الله-: أى: يقوم مقابله في جهة الشمال؛ ليس مائلاً إِلى المغرب ولا إِلى المشرق، وهذه حالة الاستواء، وفي الحديث التصريح بالنهي عن الصلاة حينئذ حتى تزول الشمس، وهو مذهب الشافعي وجماهير العلماء، واستثنى الشافعي حالة الاستواء يوم الجمعة.
وقال في "النهاية": أي: حتى يبلغ ظلّ الرمح المغروس في الأرض أدنى غاية القلَّة والنقص؛ لأنَّ ظلَّ كل شيء في أوّل النّهار يكون طويلاً، ثمَّ لا يزال ينقص حتى يبلغ أقصره =

<<  <  ج: ص:  >  >>