واستدلّ من استدلّ من العلماء على اقتصار الفاتحة في الركعة الأولى من حديث أبي هريرة:"كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذا نهضَ من الركعة الثانية استفتح القراءة بـ "الحمد لله رب العالمين"، ولم يسكت (١).
وذكر هذا الشيخ السيد سابق -حفظه الله تعالى- في "فقه السنّة"، وردّ عليه شيخنا -حفظه الله تعالى- في "تمام المنّة" (ص ١٧٦) قائلاً: "السّنّة المشار إِليها ليست صريحة فيما ذكَره المؤلف، لأنَّ قول أبي هريرة في حديثه المذكور في الكتاب:"ولم يسكت"، ليس صريحاً في أنَّه أراد مطلق السكوت، بل الظاهر أنَّه أراد سكوته السكتة المعهودة عنده، وهي التي فيها دعاء الاستفتاح، وهي سكتة طويلة، فهي المنفية في حديثه هذا.
وأمّا سكتة التعوذ والبسملة؛ فلطيفة لا يحسُّ بها المؤتمُّ لاشتغاله بحركة النهوض للركعة، وكأنّ الإِمامَ مسلماً -رحمه الله- أشار إِلى ما ذكَرنا مِن أن السكتة المنفية في هذا الحديث؛ هي المثبتة في حديت أبي هريرة المتقدّم، فإِنَّه ساق الحديث المشار إِليه، ثمَّ عقّبه بهذا، وكلاهما عن أبي هريرة، والسند إِليه واحد، فأحدهما متمّم للآخر، حتى لكأنَّهما حديث واحد، وحينئذ يظهر أنّ الحديث ليس على إِطلاقه، وعليه نرجّح مشروعية الاستعاذة في كلّ ركعة لعموم قوله تعالى:{فإِذا قرأتَ القرآن فاسْتَعِذْ بالله}، وهو الأصحّ في مذهب الشافعية، ورجّحه ابن حزم في "المحلّى"، والله أعلم".