للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُدعى أبا محمّد يقول: إِنَّ الوتر واجب، قال المُخدجي: فرُحتُ إِلى عبادة بن الصامت فأخْبرته فقال عبادة: كذَب (١) أبو محمّد، سمعْتُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "خمسُ صلوات كتبهنّ الله على العباد، فمن جاءَ بهنّ لم يُضيّع منهن شيئاً استخفافاً بحقّهنّ؛ كان له عند الله عهدٌ أن يُدخله الجنّة، ومن لم يأت بهنّ؛ فليس له عند الله عهد، إِن شاء عذَّبه، وإنْ شاء أدخله الجنّة" (٢).

قال شيخنا في "الصحيحة" (١/ ٢٢٢) بعد أن ذكر حديث "إِن الله زادكم صلاة، وهي الوتر ... " (٣): "يدل ظاهر الأمر في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فصلُّوها" على وجوب صلاة الوتر، وبذلك قال الحنفية؛ خلافاً للجماهير، ولولا أنّه ثبَت بالأدلة القاطعة حصْر الصلوات المفروضات في كلّ يوم وليلة بخمس صلوات؛ لكان قول الحنفية أقرب إِلى الصواب، ولذلك فلا بدَّ من القول بأنّ الأمر هنا ليس للوجوب، بل لتأكيد الاستحباب، وكم من أوامرَ كريمةٍ صُرفت من الوجوب بأدنى من تلك الأدلة القاطعة، وقد انفكّ الأحناف عنها بقولهم: إِنهم لا يقولون بأن الوتر واجب كوجوب الصلوات الخمس، بل هو واسطة بينها وبين السنن، أضعف من هذه ثبوتاً، وأقوى من تلك تأكيداً!

فليعلم أنّ قول الحنفية هذا قائم على اصطلاح لهم خاص حادث، لا تعرفه الصحابة ولا السلف الصالح، وهو تفريقهم بين الفرض والواجب ثبوتاً وجزاء؛


(١) أي: أخطأ وفي "لسان العرب": وقد استعمَلت العرب الكذب في موضع الخطأ، وذكَر بيت الأخطل: "كَذَبتك عينك أم رأيت بواسط .... ".
(٢) أخرجه مالك وأبو داود "صحيح سنن أبي داود" (١٢٥٨) والنسائي وابن حبان في "صحيحه" وانظر "صحيح الترغيب والترهيب" (٣٦٣)، وتقدّم.
(٣) سيأتي بتمامه وتخريجه إِن شاء الله في (وقت الوتر).

<<  <  ج: ص:  >  >>