(في رواية: فلينظر أحرى ذلك إِلى الصواب. وفي أخرى: فلينظر الذي يرى أنَّه الصواب. وفي أخرى: فليتحرّ أقرب ذلك من الصواب)، فليتمّ عليه، ثمَّ ليسلّم، ثمَّ يسجد سجدتين".
أخرجه الشيخان وأبو عوانة في "صحاحهم"، والرواية الثانية والثالثة لهم إلاَّ البخاري، والرابعة للنسائي، وهو عندهم من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-.
وإِنَّ قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فلينظر الذي يرى أنَّه الصواب"؛ كالصريح في الأخذ بما يغلب على رأيه، ويؤيّده قوله في حديث أبي سعيد: "فلم يَدْرِ كمْ صلّى"، فإِنَّ مفهومه أنَّ من تحرّى الصواب بعد الشكّ حتى درى كم صلّى - أنه ليس له أن يبنيَ على الأقلّ، بل حُكم هذه المسألة مسكوت عنه في هذا الحديث، وقد تولّى بيانه حديث ابن مسعود، حيث أمرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه بالأخذ بما يظنّ أنَّه أقرب إِلى الصواب، سواءٌ كان الأقلّ أو الأكثر، ثمَّ يسجد بعد التسليم سجدتين.
وأمّا في حالة الحيرة وعدم الدراية، فإِنَّه يبني على الأقلّ، ويسجد قبل التسليم، وفي هذا إِشارة إِلى اختلاف ما في الحديثين من الفقه، فتأمّل.
وبعد: فإِن هذه المسألة تحتاج كثيراً من البسط والشرح والتحقيق، ولعل ما ذكرتُه هاهنا؛ يكفي في بيان ما أردْته من إِثبات وجوب الأخذ بالظنّ الغالب إِذا وجد، وهو خلاصة رسالة كنت ألّفْتها في هذه المسألة؛ رددتُ فيها على النووي بتفصيل، وبيَّنتُ فيها معنى الشكّ المذكور في حديث أبي سعيد، ومعنى التحري الوارد في حديث ابن مسعود ... ".