للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لحاجته. فكان لا يلتفت، فدنوتُ منه، فقال: "ابغني أحجاراً أستنفض بها - أو نحوه-، ولا تأتني بعظم ولا روث" (١).

فنهيُ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن العظم والرَّوث دالٌّ على جواز ما سواهما ممّا تزال به النجاسة، ولو لم يَجُزْ هذا؛ لقال له - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ابغني أحجاراً أستنفض بها" وسكت، أو قال: ولا تأتني بغيرها؛ بيدَ أنَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ولا تأتني بعظم ولا روث".

ومن المعلوم أنَّ النجاسات محصورة؛ بخلاف الأعيان الطاهرة؛ فإِنَّها غير ْمحصورة، فحصْر النهي عن العظم والروث يدلُّ على جواز استعمال غيرهما.

وقد علَّل النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبب هذا النهي، فقال: "لا تستنجوا بالرَّوث ولا بالعظام؛ فإِنَّه زاد إِخوانكم من الجنِّ" (٢).

قال شيخ الإِسلام ابن تيمية -رحمه الله-: " ... وهذا كما أنَّه لمَّا أمر بالاستنجاء بالأحجار؛ لم يختصَّ الحجر؛ إِلا لأنَّه كان الموجود غالباً، لا لأنَّ الاستجمار بغيره لا يجوز، بل الصواب قول الجمهور في جواز الاستجمار بغيره؛ كما هو أظهر الروايتين عن أحمد؛ لنهيه عن الاستجمار بالروث


(١) أخرجه البخاري: ١٥٥
قال الحافظ في "الفتح -بحذف يسير-: "ابغِني؛ بالوصل من الثلاثي؛ أي: اطلب لي، وفي رواية بالقطع؛ أي: أعنِّي على الطَّلب، يُقال: أبغيتك الشيء؛ أي: أعَنْتُك على طلبه، والوصل أليق بالسياق".
ومعنى أستنفض: "أستخرج بها وأستنجي، والنفض: هزّ الشيء ليطير غباره".
(٢) أخرجه الترمذي وغيره، وروى مسلم نحوه، وانظر "الإِرواء" (٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>