وهذا اللفظ عامٌّ في القليل والكثير، وهو عامٌّ في جميع النجاسات.
وأمَّا إِذا تغيَّر بالنجاسة؛ فإِنما حرُم استعماله؛ لأنَّ جرْم النجاسة باقٍ، ففي استعماله استعمالها؛ بخلاف ما إِذا استحالت النجاسة؛ فإِنَّ الماء طَهور، وليس هناك نجاسةٌ قائمة.
ومما يبيِّن ذلك؛ أنَّه لو وقع خمر في ماء، واستحالت، ثمَّ شربها شارب؛ لم يكن شارباً للخمر، ولم يجب عليه حدُّ الخمر، إِذ لم يبقَ شيء من طعْمها ولونها وريحها، ولو صُبَّ لبن امرأة في ماء، واستحال، حتى لم يبقَ له أثر، وشرب طفلٌ ذلك الماء؛ لم يَصِرْ ابنها من الرضاعة بذلك.
وأيضاً؛ فإِنَّ هذا باق على أوصاف خلقته، فيدخل في عموم قوله تعالى:{ ... فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً}؛ فإِنَّ الكلام إِنَّما هو فيما لم يتغيَّر بالنجاسة؛ لا طعمه، ولا لونه، ولا ريحه".
وبه قال الشوكاني -رحمه الله- في "السيل الجرَّار".
وقال شيخ الإِسلام -رحمه الله- في "الفتاوى" (٢١/ ٦١١): " ... وعلى هذا؛ فدخان النار الموقدة بالنجاسة طاهر، وبخار الماء النَّجس الذي يجتمع في السقف طاهر".
"وسئل -رحمه الله- عن استحالة النجاسة؛ كرماد السِّرجين (١) والزّبل النَّجس تصيبه الريح والشمس فيستحيل تراباً؛ فهل تجوز الصلاة عليه أم لا؟
فذَكَر أنَّ فيها قولين في مذهب مالك وأحمد، أحدهما أنَّ ذلك طاهر، وهو قول أبي حنيفة وأهل الظاهر وغيرهم، وهذا القول هو الراجح.