من مكة إِلى عُسفان" وفيه: "وممّا يدل على وضع هذا الحديث، وخطأ نسبته إِليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ ما قاله شيخ الإِسلام ابن تيمية في رسالته في أحكام السفر (٢/ ٦ - ٧ من مجموعة الرسائل والمسائل): "هذا الحديث إِنّما هو من قول ابن عباس، ورواية ابن خزيمة وغيره له مرفوعاً إِلى النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - باطلة بلا شك عند أئمّة الحديث، وكيف يخاطِب النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أهل مكة بالتحديد، وإِنّما قام بعد الهجرة زمناً يسيراً وهو بالمدينة، لا يحدّ لأهلها حدّاً كما حدّه لأهل مكة، وما بال التحديد يكون لأهل مكة دون غيرهم من المسلمين؟!
وأيضاً، فالتحديد بالأميال والفراسخ يحتاج إِلى معرفة مقدار مساحة الأرض، وهذا أمر لا يعلمه إلاَّ خاصة الناس، ومَن ذكره؛ فإِنّما يخبر به عن غيره تقليداً، وليس هو ممّا يقطع به، والنّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يقدِّر الأرض بمساحة أصلاً، فكيف يُقدّر الشارع لأمّته حدّاً لم يجْرِ به له ذِكْر في كلامه، وهو مبعوث إلى جميع الناس؟!
فلا بد أن يكون مقدار السفر معلوماً علماً عاماً".
ومن ذلك أيضاً أنَّه ثبت بالنقل الصحيح المتفق عليه بين علماء الحديث؛ أنّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حَجّة الوداع كان يقصر الصلاة بعرفة، ومزدلفة، وفي أيام منى، وكذلك أبو بكر وعمر بعده، وكان يصلّي خلفهم أهل مكة، ولم يأمروهم بإِتمام الصلاة، فدلّ هذا على أن ذلك سفر، وبين مكة وعرفة بريد، وهو نصف يوم بسير الإِبل والأقدام.
والحق أنَّ السفر ليس له حدٌّ في اللغة ولا في الشرع، فالمرجع فيه إِلى العُرف، فما كان سفراً في عُرف الناس؛ فهو السفر الذي علّق به الشارع