للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وتَرْجمان القرآن، عَلَمُ الزُّهَّاد، وأوحد العُبَّاد، قامعُ المبتدعين، وآخر المجتهدين، نزيلُ دمشق، وصاحبُ التصانيف التي لم يُسبَق إلى مثلها، وابن تيمية عُرِفَ به، وهو على ما قيل: إِن جَدَّه محمد بن الخَضِر حَجَّ وله امرأةٌ حامِلٌ، ومرَّ على باب درب تيماء فمر هناك جارية طفلة قد خرجت من خِباء، فلما خَرَج إلى حَرَّان وَجَدَ امرأتَه قد ولدت بنتًا فلمَّا رآها قال: يا تيمية فلقب بذلك، وقال ابن النجار: ذُكر لنا أنَّ محمدًا هذا كانت أمه تسمى تيمية، وكانت واعظة فنسب إليها، وعُرِفَ بها.

ولد أحمد هذا، بِحَرَّان يومَ الاثنين عاشر شهر ربيع، وقيل: ثاني عشر ربيع الأَوَّل سنةَ إحدى وستين وست مئة، وقدِمَ مع والده وأهله إلى دمشقَ، وهو صغيرٌ، وكانوا قد خرجوا من بلاد حَرَّان مهاجرين لسبب جَوْرِ التتار فساروا بالليل ومعهم الكتب على عجلة لعدم الدَّواب فكاد العَدُوُّ يلحقهم، ووقعت العجلة فابتهلوا إلى الله تعالى فَنَجَوا، وسَلِمُوا، وقدموا دمشقَ في أثناء سنة سبعٍ وستينَ، فسمعوا من الشيخ زين الدين أحمد بن عبد الدائم بن نعمة المقدسي جزءَ ابنِ عَرَفة وغيره، وسمع تقيُّ الدين الكثيرَ من ابن أبي اليُسْر، والكمال ابن عيد، والشمس الحنبلي، والقاضي الشمس بن عطاء الحنفي، والكمال بن الصَّيْرَفي، والمجد ابن عساكر والنجيب المقداد، وابن أبي الخير، وابن علان، وأبي بكر الهَرَوي، والكمال عبد الرَّحيم، والفخر بن البُخَاري وابن شيبان، والشرف بن القَّوَاس، وزينب بنت مكي والقاسم الإِرْبِلي، وإبراهيم بن الدرجي، وخلق كثير، وشيوخُهُ الذين سَمِعَ مِنهُم أزْيَدُ من مئتي شيخ.

وسمع "مسند الإِمام أحمد" مَرَّاتٍ، و"معجم الطبراني الكبير"، والكتب الكبار، والأجزاء، وعُنِيَ بالحديث، وقرأ بنفسه الكثير، ولازم السَّماع مُدَّةَ سنين، وقرأ الغَيلانيات في مجلس، ونَسَخَ، وانتقى، وكتب الطباق والأثبات، وتَعَلَّم الخَطَّ، والحِسَاب في الكتب، واشتغل بالعلوم، وحفظ القرآن، وأقبل على الفقه، وقرأ أيَّامًا في العَرَبِية على ابن عبد القوي، ثم فهمها وأتقنها، وأخذ يتأمَّل "كتابَ سيبويه" حتى فهمه، وبرع في النحو وأقبل على التفسير إقبالًا كُلِّيًا حتى حاز فيه قَصَبةَ السَّبْق، وأخذ