للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الفقه والأصول عن والده وعن الشيخ شمس الدين بن أبي عمر، والشيخ زين الدين بن المُنَجَّا، وبرع في ذلك وناظر، وأحكم أصول الفقه والفرائض وغير ذلك، هذا كله وهو ابن بضع عشرة سنة فابتهر الفضلاء من فرط ذكائه، وسيلان ذهنه وقوة حافظته، وسرعة إدراكه.

نشأ في تَصَوُّفٍ تامٍ، وعفافٍ وتَأَلُّهٍ، واقتصاد في الملبس والمأكل، ولم يزل على ذلك خَلْقًا وخُلُقًا، صالحًا، بَرًّا بوالديه، تقيًا، وَرِعًا، عابدًا، ناسكًا، صَوَّامًا، قَوَّامًا، ذاكرًا لله تعالى في كل أمر، وعلى كل حال، رَجَّاعًا إلى الله تعالى في سائر الأحوال والقضايا، وَقَّافًا عند حدود الله وأوامره ونواهيه، آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر، لا تكادُ نفسهُ تشبع من العِلْم، ولا تروى من المطالعة، ولا تَمَلُّ من الاشتغال، ولا تكل من البحث، وقلَّ أنْ يدخل في علم من العلوم في باب من أبوابه إلَّا فتح من ذلك الباب أبوابًا، ويستدرك أشياء في ذلك العلم على حُذَّاقِ أهْلِه، وكانَ يحضر المجالس والمحافل في صغره، فيتكلم ويناظر ويفحم الكبار، ويأتي. بما يتحير منه أعيان البلد في العلم، وأفتى وله نحو سبعَ عشرةَ سنة، وشرع في الجمع والتأليف من ذلك الوقت، ومات والده وكان من كبار الحنابلة وأئمتهم، ودَرَّسَ بعده بوظائف، وله إحدى وعشرون سنة، واشتهر أمرُه، وبَعُدَ صِيْتُهُ في العالَم، وأخذ في تفسير الكتاب العزيز أيَّام الجمع على كرسي من حفظه، فكان يُورِدُ ما يقوله من غير توقف ولا تلعثم، وكان يورد الدروس كذلك بتؤدةٍ وصوتٍ جَهْوَرِي فصيحٍ، وحَجَّ سنة إحدى وتسعين، وله ثلاثون سنة، ورجع وقد انتهت إليه الإِمامة في العلم والعمل، والزُّهْد والصَّلاح، والوَرع والشجاعة، والكرم والتواضع، والحلم والأَناة، والجلالة والمهابة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، مع الصدق والأمانة، والعِفَّةِ والصِّيانة، وحُسْنِ القصد والإِخلاص، والابتهال إلى الله تعالى، وشدة الخوف منه، ودوام المراقبة له، والتمسك بالأثر، والدُّعاء إلى الله تعالى، وحسن الأخلاق، ونفع الخَلْق، والإِحسان إليهم، وكان سَيفًا مسلولًا على المخالفين، وشجىً في حلوق أهل الأهواء والمبتدعة، وإمامًا قائمًا ببيان الحق ونصرة الدين، طَنَّتْ بذكره الأمصار، وضَنَّتْ بمثله الأعصار.