للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الطُّولى. وتعلَّم الكَلام، والنَّحوَ، وغيرَ ذلك. وكان عالمًا بعلمِ السُّلوك، وكَلامِ أهْلِ التَّصوُّف وإشاراتِهم، ودَقائِقِهم، لهُ في كُلَّ فنًّ من هذه الفُنون اليَدُ الطُّولى. قال الذهبي: في "المختص": عُني بالحَديثِ ومُتونِه وبعضِ رجالِه، وكان يشتغل في الفِقْه، ويُجيد تقريرَهُ وتدريسَهُ، وفي الأصلَيْن. وقد حُبِسَ مُدَّة لإِنكاره شَدَّ الرَّحال إلى قَبْر الخليل. وتصدَّى للإِشْغَالِ، وإقراءِ العلمِ ونَشْره. قال ابنُ رجب: وكانَ رحمه اللهُ ذا عِبادةٍ وتهجُّد، وطُولِ صَلاة، إلى الغاية القُصوى، وتأَلُّهٍ ولهج بالذَّكر، وشغَفٍ بالمحبَّة، والإِنابَة، والاستغفارِ، والافْتِقارِ إلى الله، والانكسارِ لهُ، والاطِّراحِ بينَ يديه على عَتَبة عُبوديَّته. ولم أُشاهِد مِثلَهُ في ذلك، ولا رأيتُ أوسعَ منهُ علمًا، ولا أعرفَ بمعاني القرآنِ والسُّنَّة وحَقائِق الإِيمان مِنْه. وليسَ هُو بالمعصوم، ولكن لم أرَ في مَعناه مِثْلَه. وقد امتُحن وأُوذِيَ مرَّات، وحُبس مع الشَّيخ تقيِّ الدِّين ابن تيميَّة في المرَّةِ الأخيرة بالقَلْعة مُنفرِدًا عنه، ولم يُفرج عنهُ إلَّا بعدَ مَوْتِ الشَّيخ، وكانَ في مُدَّةِ حَبْسِهِ مُشتغلًا بتِلاوةِ القُرآن، وبالتدبُّرِ والتَّفكُّرِ، ففُتِحَ عليه من ذلكَ خيرٌ كَثير، وحصَلَ لهُ جانبٌ عظيمٌ من الأذواقِ، والمَواجِيد الصَّحيحة، وتسلَّطَ بسبَبِ ذلك على الكَلامِ في علومِ أهْلِ المَعارف، والدُّخولِ في غَوامِضِهم، وتصانيفُه مُمتَلِئة بذلك. وحَجَّ مرَّاتٍ كثيرة وجَاورَ بمكَّة وكانَ أهلُ مكَّة يذكُرون عنه من شِدَّةِ العِبادةِ، وكَثْرةِ الطَّواف أمرًا يُتَعَجَّبُ منه. ولازمْتُ مجالِسَهُ قبلَ موته، أزيدَ من سَنة، وسمعْتُ عليه قصيدَته النُّونيَّة الطَّويلة في السُّنَّة، وأشياءَ من تَصانيفه، وغيرها. وأخذَ عنه العِلمَ خلقٌ كثير، من حَياة شيخِه وإلى أن مات، وانتفَعُوا به. وكانَ الفُضلاءُ يُعَظَّمونَهُ ويتَّلمَذونَ له، كابن عبد الهادي، وغيره. وقال القاضي بُرهان الدَّين الزُّرَعي عنه: ما تحتَ أديمِ السَّماء أوسع علمًا مِنهُ. ودرَّس بالصَّدرية، وأَمَّ بالجَوْزِيَّة مُدَّة طَويلَة. وكتبَ بخطَّه ما لا يُوصَفُ كَثْرةً. انتهى.

وقال الشَّوْكانيُّ في "البَدر الطَّالع" (١): أَخَذَ الفَرائض عن أَبيه، وأخذَ الأُصولَ عن الصَّفِيَّ الهِنْدِيّ، وابنِ تيميَّة، وسمعَ منه. وبرعَ في جَميع العُلوم، وفاقَ الأقرانَ،


(١) البدر الطالع: ٢/ ١٤٣.