للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

واشتهَر في الآفاقِ، وتبحر في مَعرفةِ مذاهِب السَّلف. وغلبَ عليه حُبُّ ابنِ تيميَّة، حتَّى كان لا يخرُج عن شيءٍ من أقواله، بل كانَ ينتصرُ له في جميعِ ذلك وهُوَ الَّذي نشرَ علمَهُ فيما صنَّفه من التصانيف الحَسَنة المَقبُولة. واعتُقِلَ معَ ابنِ تيميَّة، وأُهِينَ، وطِيْفَ به على جَمَلٍ مَضروبًا بالدَّرَّة. فلمَّا ماتَ ابنُ تيميَّة أُفرجَ عنهُ، وامتُحِنَ محنةً أُخرى بسَببِ فَتاوى ابنِ تيميَّة. وكان يَنالُ من عُلماءِ عَصْره ويَنالونَ منه. قال الذَّهبي في "المختص": حُبِسَ مُدَّة لإِنكاره شَدَّ الرَّحل إلى زيارة قَبْر الخَليل ثُمَّ تَصدَّر للإِشغال، ونَشْرِ العِلم. ولكنَّه مُعجَبٌ برأيه جَريى على أمور. انتهى. قال الشَّوكاني: قلتُ: بل متقيَّدًا بالأدِلَّة الصَّحيحة، مُعجبًا بالعملِ بها، غيرَ مُعوَّلٍ على الرأي، صادعًا بالحقَّ، لا يُحابي أحدًا في ذلك، ونِعْمَتِ الجُرأةُ.

وقال ابن كَثير: كانَ مُلازِمًا للاشتِغال ليلًا ونهارًا كثيرَ الصَّلاة والتِّلاوة، حسنَ الخُلُقِ، كثيرَ التَّودُّدِ، لا يَحسُد ولا يَحقِد، إلى أن قال: لا أعرفُ في أهلِ زَمانِنا من أهلِ العِلم أكثرَ عِبادةً منهُ، وكان يُطيلُ الصَّلاة جِدًّا، ويَمدُّ ركوعَها وسُجودَها، وكانَ يُقصَدُ للإِفتاء بمسألة الطَّلاق. وكان إذا صَلَّى الصُّبحَ جلسَ مكانَهُ يَذكُر الله تَعالى حتَّى يتعالى النَّهار، ويقول: هذه غذوتي، لو لم أَفْعَلْها سَقَطَتْ قُواي. وكان يقول: بالصَّبر والتَّيسير تُنال الإِمامةُ في الدِّين. وكان يقول: لا بُدَّ للسَّالكِ من هِمَّة تُسَيِّرُه وتُرَقَّيه، وعلمٍ يُبَصِّرُه ويَهديه. وكان مُغرًى بجَمْع الكتُب، فحصَّل منها ما لا يُحصَر، حتى كانَ أولادُه يَبيعون منَها بعدَ موتهِ دهرًا طويلاً، سِوى ما اصْطَفوه لأنفُسِهم مِنها. وله من التَّصانيف كثرة. وكلُّ تصانيفه مرغوبٌ فيها بين الطَّوائف. قال ابنُ حجر في "الدُّرر": وهُوَ طَويل النَّفَس فيها، يتعَانى الإِيضاحَ جُهدَه، فيُسهِبُ جِدًّا ومُعظَمُها من كَلامِ شيخهِ، مُتصرَّفٌ في ذلك، ولهُ مَلَكة قَويَّة، فلا يَزال يُدَندِنُ حَولَ مُفرداتِه، وينصرُها ويحتجُّ لها. انتهى.

وقال الشَّوكاني: وله من حُسنِ التَّصرُّفِ وعُذوبةِ الكَلامِ الزائدة، وحُسنِ السَّياق، ما لا يَقدِرُ عليه غالبُ المُصَنَّفين، بحيثُ تعشَقُ الأفهامُ كلامَه، وتميلُ الأذهانُ إليه، وتُحِبُّه القُلُوب، وليس له على غير الدَّليل مُعَوَّل في الغالب، وقد يَميلُ