للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نادرًا إلى المَذهب الذي نشأَ عليه، ولكنه لا يتجاسَرُ على الدَّفع في وُجوه الأدلَّة بالمحامِلِ البَارِدة. كما يفعَلُه غيرُه من المُتَمَذهِبين، بل لا بُدَّ له من مُستَندٍ في ذلك. وغالبُ أبحاثه الإِنصافُ، والمَيلُ مع الدَّليل حيثُ مالَ، وعدمُ التَّعويلِ على القِيل والقال. وإذا استَوعبَ الكَلامَ في بَحثٍ، وطوَّلَ ذُيولَهُ أتى بما لم يأتِ به غيرهُ، وساقَ ما ينشَرِحُ له صدر الرَّاغِبين في أخذِ مذاهبهم عن الدَّليل. وأظُنُّها سَرَتْ إليه بركةُ ملازمَتِهِ للشَّيخ ابنِ تيميَّة في السرَّاءِ والضرَّاءِ، والقيامِ مَعَه في مِحَنِهِ، ومُواسَاتِهِ بنَفْسِهِ، وطُولِ تردُّدِه إليه، فإنَّه ما زالَ مُلازمًا لهُ من سَنة اثنتي عَشرةَ وسبع مئة، إلى حين وفاتِه. وبالجُملة فهو أحدُ من قامَ بنشرِ السُّنَّة، وجعلَها بينَهُ وبينَ الآراءِ المُحدَثَة أعظمَ جُنَّة، فرَحمَهُ الله، وجزاهُ عن المُسلمين خيرًا. وحُكِيَ عنه أنَّه قَبلَ موتِه بمُدَّة، رأَى شيخَه ابنَ تيميَّة في المنامِ، فسأله عن منزلتهِ أي ابن تيميَّة، فقال: إنَّه أُنزِل فوقَ فُلان، وسمَّى بعضَ الأكابر، وقال له: وأنت كِدْتَ تلحَقُ به، ولكن أنت في طَبقةِ ابنِ خُزَيمة. انتهى.

قال ابنُ رجب (١): توفِّي رحمهُ الله وقتَ عشَاء الآخرة، ليلة الخَميس، ثالث عشرين رجَبَ، سَنة إحدى وخمسين وسبع مئة. وصُلَّي عليه من الغَد بالجامِع، عَقِيْبَ الظُّهر، ثم بجامع جراح. ودُفن بمقبرة البابِ الصَّغير وشيَّعه خَلْقٌ كثير، ورُئِيت له مَناماتٌ كثيرةٌ حَسنة، رضي الله عنه. انتهى.

قال ابنُ حجر في "الدُّرر" (٢): وهو القائلُ:

بُنيُّ أبي بَكْر كثيرٌ ذنُوبهُ … فليسَ على مَنْ نالَ مِنْ عِرضهِ إثْمُ

بنيُّ أبي بَكْر غَدا مُتصَدِّرًا … يُعَلِّمُ علمًا وهو ليس له عِلمُ

بُنيُّ أبي بكر جَهولٌ بنفسِهِ … جَهولٌ بأمرِ الله أنَّى لَهُ العِلمُ

بنيُّ أبي بكر يرومُ تَرَقَّيًا … إلى جَنَّةِ المأوى وَليسَ له عَزْمُ

بنيُّ أبي بكر لقد خابَ سَعْيهُ … إذا لم يكُن في الصَّالِحاتِ له سهمُ


(١) ذيل طبقات الحنابلة: ٢/ ٤٤٧.
(٢) الدُّرر الكامنة: ٥/ ١٤٠.