قال ابن العماد (١): اشتهر بابن رجب، وهو لقب جدَّه عبد الرحمن الشيخ الإمام، العالم، العلَّامة، زين الدين، الزَّاهد القدوة، البركة الحافظ، العمدة الثقة، الحجة، الحنبلي المذهب، قدم من بغداد مع والده إلى دمشق وهو صغير، سنة أربع وأربعين وسبع مئة، وأجازه ابن النقيب، والنَّووي، وسمع بمكة على الفخر عثمان بن يوسف، واشتغل بسماع الحديث باعتناءِ والده، وحدَّث عن محمد بن الخباز وإبراهيم بن داود العطار، وأبي الحرم بن القلانسي، وسمع بمصر من صدر الدين أبي الفتح الميدومي، ومن جماعة من أصحاب ابن البخاري، ومن خلق من رواة الآثار، وكانت مجالسُ تذكيره للقلوب صادعةً، وللنَّاس عامةً مباركةً نافعةً، اجتمعت الفرق عليه، ومالت القلوب بالمحبة إليه، وكان لا يعرف شيئًا من أمور الناس، ولا يتردد إلى أحد من ذوي الولايات، وكان يسكن المدرسة السُّكَّرِيَّة بالقصاعين.
قال ابن حجي: أتقن الفَنَّ، أي: فنَّ الحديث، وصار أعرفَ أهلِ زمانِهِ بالعلل وتتبع الطرق، وتخرَّجَ به غالبُ أصحابنا الحنابلة بدمشق، توفي ليلة الاثنين رابع شهر رمضان سنةَ خمسٍ وتسعين وسبع مئة بأرض الجميزية ببستان كان استأجره، وصُلَّي عليه من الغد، ودفن بالباب الصغير جوار قبر الشيخ أبي الفرج عبد الواحد بن محمد الشَّيْرَازي.
قال ابن ناصر الدين: ولقد حَدَّثني مَنْ حفر لحد ابن رجب أنَّه جاءه قبل أنْ يموت بأيام فقال لي: احفر لي ههنا لحدًا. وأشار إلى البقعة التي دفن فيها، قال: فحفرت له، فلما فرغ نزل في القبر واضطجع فيه فأعجبه وقال: هذا جيَّد، ثم خرج، قال: فوالله ما شعرت بعد أيَّام إلَّا وقد أُتِيَ به ميتًا محمولًا في نعشه، فوضعتهُ في ذلك اللَّحد. انتهى.
وذكره العليمي وقال: كان من خِيرة العلماء الحريصين على نشر العلم، ومذهب السلف، والذب عنه، ورزقه الله الإخلاص في مؤلفاته، فوضع لها من