للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال في "المَقْصد الأرشد" (١): علي بن عُرْوة، وهكذا رأيته بخطه: المشرقي ثم الدمشقي الحنبلي، المعروف بابن زَكْنُون أبو الحسن، ولد قبل الستين وسبع مئة، ونشأ في ابتدائه جمالًا، ثم أعرض عن ذلك، وحفظ القرآن، وتفقه وبرع، وسمع من علماء زمانه الحديث، وقد سرد السَّخَاوي أسماء مشايخه، وهم كثيرون، ثم قال: وانقطع إلى الله تعالى في مسجد القدم بآخر أرض القُبَيْبَات بدمشق، يؤدِّب الأطفال احتسابًا، مع اعتنائه بتحصيل نفائس الكتب وجمعها، وكل ذلك مع الزُّهد والورع، اللذَيْن صار فيهما منقطع النظير، والتبتُّل للعبادة، ومزيد الإقبال عليها، والتقلل من الدُّنيا، وسدَّ رَمَقَهُ بما تكسبه يداه في نسج العبي، والاقتصار على عباءةٍ يلبسها، والإقبال على ما يعنيه، حتى صار قدوة، وحدَّث. سمع منه الفضلاء، وقرئ عليه كتاب "الكواكب الدَّراري" أو أكثره في أيام الجُمَع بعد الصلاة بجامع بني أمية، ولم يسلم مع هذا كله من طاعن في علاه، حتى حصلت له شدائد ومحنٌ كثيرةٌ، كلها في الله، وهو صابرٌ محتسبٌ، حتى مات سنة سبعٍ وثلاثين وثمان مئة في مسجده بالقدم.

وترجمه الحافظ ابن حجر في "إنبائه" بنحو ما تقدَّم وقال: كان لا يقبل من أحد شيئًا، وثار بينه وبين الشافعية فِتَنٌ وشر كثير بسبب الاعتقاد. وذكره البُرهان ابن مفلح في "المقصد الأرشد" وقال: رتب المسند على الأبواب، وزاد فيه أنواعًا كثيرةً من العلم، وقد نوقش في ذلك، وكان ممن جبله الله تعالى على حب الشيخ تقي الدين ابن تيميَّة، وكان الناس يعظِّمونه، ويعتقدون فيه الصلاح والخير، ويتباركون به وبدعائه، ويقصدونه من كل ناحية، وكان منجمعًا عن الناس في منزله وهو على طريق السلف الصالح. انتهى.

وقال ابن العماد (٢) في ترجمته: سمع على يوسف الصيرفي ومحمد بن محمد بن داود وغيرهم، وكان يذكر أنه سمع من المحب، ثم أقبل على العبادة والاشتغال فبرع، وأقبل على مسند ورتبه، وكان منقطعًا في مسجدٍ يقال له


(١) المقصد الأرشد: ٢/ ٢٣٧.
(٢) شذرات الذهب: ٧/ ٢٢٢.