وقال بعضهم: كان أحمد من أحيا الناس وأكرمهم نفسًا وأحسنهم عشرة وأدبًا، كثير الإِطراق والغض، معرضًا عن القبيح واللغو، لا يسمع منه إلا المذاكرة بالحديث وذكر الصالحين والزهاد، في وقار وسكون ولفظ حسن، وإذا لقيه إنسان بَشَّ به وأقبل عليه، وكان يتواضع للشيوخ تواضعًا شديدًا، وكانوا يكرمونه ويعظمونه، وكان يفعل بيحيى بن معين ما لا يفعل بغيره من التواضع والتبجيل، وكان يحيى أكبر منه بنحو سبع سنين، وكان يضرب برجله إذا جاء من المسجد إلى البيت قبل أن يدخل البيت ليعلم أهل البيت بدخوله إلى الدار، وربما تنحنح ليعلم مَنْ في الدار بدخوله.
وقال علي بن مهدي: رأيت أحمد غير مرة، رأيته كثيرًا يمثلُ وجهُه ورأسُه وخده، ولا يقول شيئًا ولا يمتنع من ذلك. وقبَّل سليمان بن داود الهاشمي جبهته ورأسه ولم يمتنع من ذلك ولم يكرهه، وكذا رأيت يعقوب بن إبراهيم يقبّل جبهته ووجهه.
وقال زهير بن صالح بن أحمد بن حنبل: كنا ندخل على جدي كل جمعة أنا وإخواني، وكان بيننا وبينه باب مفتوح، فكان يكتب لكل واحد منا حبتين من فضة في رقعة إلى فَامِيٍّ نعامله، فنأخذ منه الحبتين ونأخذ للأخوات، وكان ربما مررت به وهو قاعد في الشمس وظهره مكشوف وأثر الضرب بيِّنٌ في ظهره، وكان لي أخ أصغر مني اسمه علي، فأراد أبي أن يختنه فاتخذ له طعامًا كثيرًا ودعا قومًا، فلما أراد أن يختنه وجه إليه جدي فدعاه، وقال له: بلغني ما أحدثت لهذا الأمر، وقد بلغني أنك قد أسرفت، فابدأ بالفقراء والضعفاء فأطعمهم، فلما كان من الغد وحضر الحجام وحضر أهلنا، دخل أبي إلى جدي فأعلمه أن الحجام قد حضر، فجاء جدي معه حتى جلس في الموضع الذي فيه الصبي، وختن وهو جالس، فأخرج صريرة فدفعها إلى الحجام، وصريرة إلى الصبي، وقام فدخل منزله فنظر الحجام إلى ما في الصريرة فإذا فيها درهم واحد، ونظرنا إلى صرة الصبي فإذا فيها درهم، وكنا قد رفعنا كثيرًا مما قد افترش، وكان الصبي على منصته مرتفعة على شيء من الثياب المصبغة، فلم ينكر من ذلك شيئًا.