فقدم علينا من خراسان ابن خالة جدي فنزل على أبي، فلما كان يومًا من الأيام وقد صلينا المغرب قال لي أبي: خذ بيد ابن خالة جدك وامضِ به إلى جدك، فدخلت على جدي وهو قائم يصلي بعد المغرب، فجلستُ حتى فرغ، فقال: جاء أبو أحمد ابن خالتي؟ قلت: نعم، قال: قل له يدخل، فقلت ذلك له فدخل معي فجلس، ثم صاح بامرأة كانت تخدمه مسنة من سكانه، فجاءت بطبق خلاق وعليه خبز وبقل وخلٌّ وملح، ثم جاءت بغضارة من هذه الغلاظ فوضعتها بين أيدينا، وإذا فيها بصلية فيها لحم وسلق كثير، فجعلنا نأكل وهو يأكل معنا ويسأل أبا أحمد عمن بقي من أهلهم بخراسان في خلال ما نأكل، وكان ربما استعجم الشيء على أبي أحمد بالعربية فيكلمه جدي بالفارسية، وكان في خلال ذلك ونحن نأكل يضع القطعة اللحم بين يدي أبي أحمد وبين يديّ، ثم رفع الغضارة بيده فوضعها ناحية، ثم أخذ طبقًا إلى جنبه فوضعه بين أيدينا على الطبق وإذا فيه تمر بُرني وجوز مكسر، وجعل يأكل ونأكل، وفي خلال ذلك يناول أبا أحمد، ثم غسلنا أيدينا، كل واحد منا يغسل يده لنفسه.
وقال عبدوس العطار: وجهت بابني مع الجارية يسلم على أحمد بن حنبل، فرحب به وأجلسه في حجره يسائله، فأرسل فاتخذ له خبيصًا، فجاء به فوضعه بين يديه، وجعل يباسطه، وقال للجارية: كلي معه، ثم قام إلى بعض الفاميّين فجاء وفي ثوبه لوز وسكر، وأخرج منديلًا فشده فيه فدفعه إلى الخادم، وقال للصبي: اقرأ على أبي محمد السلام.
وقال المروذي: رأيت أحمد بن حنبل قد أعطى ختانًا درهمين وألقاها له في طشت.
وقال الميموني: كنت كثيرًا ما أسأل أحمد عن الشيء فيقول: لبيك.
وقال المروذي: كان أحمد لا يجهل، وإن جُهل عليه احتمل، ويقول: يلقى الله، ولم يكن بالحقود، ولا بالعجول، ولقد وقع بين عمه وجيرانه منازعة، وكانوا يجيؤون إلى أحمد فلا يظهر لهم ميله مع عمه ولا يغضب لعمه، ويتلقاهم بما يعرفون من الكرامة، وكان كثير التواضع، يحب الفقراء، لم أر الفقير في مجلس أعزّ منه في