حتى صرفته عن بيعها، فجئت إلى يزيد بن هارون فقلت له: إن أحمد بن حنبل جاءني بجبة لأبيعها له في هذا البرد، فقال لجاريته: زني مئة درهم وهاتيها، فدفعها إليّ وقال: ادفعها إليه، فجئت بها إليه وقلت: هذه بعث بها إليك أبو خالد، فقال أحمد: إني لمحتاج إليها، وإني لابن سبيل، ولكن لا أعوِّد نفسي هذا، ردها إليه، فدفع إليَّ جبته فبعتها له.
وقال صالح بن أحمد بن حنبل: جاءتني حُسن فقالت: يا مولاي قد جاء رجل بِتِلَّيسةٍ فيها فاكهة يابسة وهذا الكتاب، قال صالح: فقرأت الكتاب فإذا فيه: يا أبا عبد الله أبضعت لك بضاعة إلى سمرقند فوقع فيها كذا وكذا، ورددتها فوقع فيها كذا وكذا، وقد بعثت بها إليك أربعة آلاف درهم وفاكهة، أنا لقطتها من بستاني ورثته من أبي، وأبي من أبيه، قال: فجمعت الصبيان، فلما دخلنا عليه بكيت، وقلت: يا أبت ما ترق لي أن آكل الزكاة، ثم كشفت عن رأس الصبيان وبكيت، فقال: دع حتى أستخير الله الليلة، فلما كان من الغد قال: يا صالح صُني فإني قد استخرت الله تعالى الليلة، فعزم لي أن لا آخذها، قال: وفتح التِلِّيسَةَ وفرَّقها على الصبيان، وكان عنده ثوب عشاري فبعث به إليه ورد المال. قال صالح: فبلغني أن الرجل اتخذه كفنًا.
وسرقت ثيابه بمكة فأغلق على نفسه الباب أيامًا فسأل عنه أصحابه فوجدوه على هذه الحال، فقالوا له في ذلك، فقال: سُرقت ثيابي، فقال أحدهم: معي دنانير، فإن شئت خذ قرضًا، وإن شئت صلة، فأبى أن يفعل، فقال له: اكتب لي بأجرة قال: نعم، فأخرج له دينارًا فأبى أن يأخذه، وقال: اشتر لي ثوبًا واقطعه نصفين، يتزر بنصفه ويرتدي بالنصف الآخر، وجئني ببقيته. ففعل فكتب له ورقة بهذا الدنيار.
وكان هو وشيخ من أهل الربض يسمعان على ابن عيينة، ففقد الشيخ أحمد أيامًا، فدلَّ على موضعه فجاءه، فإذا هو في شبه الكهف على بابه قصب، فقال: سلام عليكم، فقال أحمد: وعليكم السلام، فقال له: ادخل، فقال أحمد: لا .. ثم قال: أدخل؟ فدخل فإذا هو جالس وعليه قطعة لبد خَلِق، فقال: يا أبا عبد الله لم حجبتني؟ قال: حتى استترت. فقال له: ما شأنك؟ قال: سُرقت ثيابي. فبادر الشيخ إلى منزله