للصبيان، فأبى أن يقبلها وكان يكرمه، فلما أبى أن يقبلها قال له: لا بدّ أن تقبلها وألحّ عليه، فقال أحمد: إذا كان لك حاجة لا تجئ إلينا، فإن أردت أن تسألني عن شيء فأرسل لي، ثم قام ودخل منزله وأحصى ما رده وهو في العسكر، فإذا هو سبعون ألفًا.
وقال صالح بن أحمد بن حنبل: قال لي النساء: قل لأبيك ليس عندنا دقيق، فقلت له، فقال: الساعة، ثم أبطأ عليهم فعاودوني، فقلت له، فقال: الساعة. فبينا نحن على ذلك إذا برجل يدق الباب، فخرجت إليه فإذا رجل خراساني يشبه الصبح على كتفه عصا فيها جراب، فقلت له: حاجتك؟ فقال: أحمد بن حنبل، فدخلت على أبي فأخبرته، فقال: عُد إليه وقل له: فيما قصدت؟ في مسألة في حديث؟ فقال: ما قصدت مسألة ولا حديثًا. فقال: أدخله. فدخل الرجل فوضع العصا والجراب، ثم قال: أنت أحمد بن حنبل؟ فقال: نعم. قال: أنا رجل من أهل خراسان، مرض جار لي فعدته، فقلت له: هل لك من حاجة؟ فقال: نعم، هذه خمسة آلاف درهم تأخذها وتوصلها إلى أحمد بن حنبل بعد وفاتي، فقد قصدتك بها من خراسان، فقال أحمد: بيننا وبينه قرابة؟ قال: لا. قال: فبيننا وبينه رحم؟ فقال: لا. قال: فبيننا وبينه نعمة يربُّها؟ قال: لا. قال: ضمها رحمك الله، فرادَّهُ الرجل، فأغلظ له أبي فحمل المال وانصرف، فلما كان بعد مدة كان جالسًا بين الكتب فنظر فيها فرفع رأسه، فقال: أتدري يا صالح منذ كم كان الخراساني عندنا؟ قلت: لا، قال: له اليوم إحدى وستون يومًا، هل جعتم فيها، أو فقدتم شيئًا.
ومرض مرة فعاده الناس، وعاده علي بن الجعد فجعل عند رأسه صرة، فقال فُوران: إن عليًا قد جعل عند رأسك صرة، فقال أحمد: كما رأيته فاذهب فردها إليه. قال: فرددتها إليه.
وقال له فوران يومًا: عندي خف أبعث به إليك؟ فسكت، فلما عاد إليه قال: لا تبعث بالخف فقد شغل قلبي عليّ.