بمعسكر المتوكل، يعتصم بذلك حتى أتته النفقة من بغداد، ولا يذوق من مائدة المتوكل.
وقسم المأمون مالًا على أصحاب الحديث، وقال: إن فيهم ضعفاء، فما بقي منهم أحد إلا أخذ إلا أحمد بن حنبل، فإنه أبى، وكان قبل موته بليلتين عنده غلام اشتراه عمه، فذهب الغلام يروِّحه فنهاه أحمد.
وقال عبد الله له: يا أبت عندنا شيء قد بقي مما كان يبرنا به المتوكل أفأحج منه؟ قال: نعم. فقال له: فإذا كان هذا عندك هكذا فلم لم تأخذ؟ قال: يا بني ليس هو عندي حرام، ولكني تنزَّهت عنه.
وكان يقول: كنت أذرع هذه الدار التي كنت أسكنها وأُخرج الزكاة عنها في كل سنة، أذهب إلى قول عمر في أرض السواد.
ورهن سطلًا عند فاميًّ بمكة، فأخذ منه شيئًا يتقوته، فجاء فأعطاه فكاكه، فأخرج إليه سطلين فقال: انظر أيهما سطلك فخذه قال: لا أدري، أنت في حلٍّ منه ومما أعطيتك ولم يأخذه، قال الفامي: والله إنه لسطله وإنما أردت أن أمتحنه فيه.
وكان إذا نظر إلى نصراني غمض عينيه، فقيل له في ذلك، فقال: لا أقدر أن أنظر إلى من افترى على الله وكذب عليه.
وكان لا يحدث إلا من كتاب ولا يحدث من حفظه إلا بأقل من مئة حديث، وكان يقول: قد أنفقت على هذا المخرج خمسة وستين درهمًا بدين، وإنما لي فيه ربع الكراء. فقيل: لم لم تدع عبد الله ينفق عليه؟ قال: خشيت أن يفسد علي الدراهم.
وأتى عليه ثلاثة أيام ما طعم فيها، فبعث إلى صديق له فاستقرض له شيئًا فعرفوا في البيت شدة حاجته إلى الطعام، فخبزوا بالعجلة، فلما وضع بين يديه قال: كيف خبزتم هذا بسرعة؟ فقالوا: كان التنور في بيت صالح مسجّرًا فخبزنا بالعجلة. فقال: ارفعوا. ولم يأكل، وأمر بسد بابه إلى باب ابنه صالح. وقال وهو في مرضه الذي مات فيه لأم ولده: من قال لك أن تخبزي ثم شيئًا؟ وقد كانت خبزت مرة قبل تلك،