للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فسأل أبو بكر الأحول أبي فقال: يا أبا عبد الله إن عُرضتَ على السيف تجيب؟ قال: لا، ثم سُيَّرا، فلما صارا إلى الرحبة ودخلا منها وذلك في جوف الليل، عرض لهما رجل فقال: أيكم أحمد بن حنبل؟ فقيل له: هذا، فقال للجمال: على رسلك، ثم قال: يا هذا ما عليك أن تقتل ها هنا وتدخل الجنة ها هنا، ثم قال: أستودعك الله. ومضى، قال أحمد: فسألت عنه، فقيل: هذا رجل من العرب من ربيعة، يعمل الشعر في البادية، يقال له: جابر بن عامر، يُذكر بخير.

وكان أحمد يقول: ما سمعت كلمة منذ وقعت في الأمر الذي وقعت فيه أقوى من كلمة أعرابي كلمني بها في رحبة طوق، قال لي: يا أحمد، إن يقتلك الحق مُتّ شهيدًا، وإن عشت عشت حميدًا. فقوَّى قلبي. وقال أبو حاتم: فكان كما قال الأعرابي؛ فلقد رفع عزّ وجلّ شأن الرجل يعني أحمد بعد ما امتُحن، وعظم عند الناس، وارتفع أمره جدًا.

وقال أبو جعفر الأنباري: لما حمل أحمد إلى المأمون أخبرت، فعبرت الفرات، فإذا هو جالس في الخان، فسلمت عليه، فقال: يا أبا جعفر، تَعنَّيْتَ. فقلت: ليس عناء. ثم قلت له: يا أحمد، أنت اليوم رأس والناس يقتدون بك، فوالله لئن أجبت إلى خلق القرآن ليجيبنَّ بإجابتك خلق من خلق الله، ولئن امتنعت ليمتنعنَّ خلق من الناس كثير، ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك فإنك تموت، ولا بدّ من الموت، فاتق الله ولا تجبهم في شيء. فجعل أحمد يبكي ويقول: ما شاء الله ما شاء الله.

وقال صالح: لما صرنا إلى أَذَنَةَ ورحلنا منها مع أبي، وذلك في جوف الليل، وفتح لنا بابها، فإذا رجل يقول: البشرى! قد مات الرجل. قال أبي: وكنت أدعو أن لا أراه.

وكان أحمد يقول: دعوت الله ثلاث دعوات، فتبينت الإِجابة في اثنتين؛ دعوت الله أن لا يجمع بيني وبين المأمون، ودعوته أن لا أرى المتوكل. فلم ير المأمون، وأما المتوكل فإنه لما أحضر أحمد إلى دار الخلافة ليحدث ولده قعد له المتوكل في