السراويل لم ينزل، فدخلت عليه بعد سبعة أيام فقلت: يا أحمد، رأيتك يوم ضربوك قد انحلت سراويلك، فرفعت طرفك إلى السماء، وحركت شفتيك، فأي شيء قلت؟ قال: قلت: اللهم إني أسألك باسمك الذي ملأت به العرش، إن كنت تعلم أني على الصواب فلا تهتك لي سترًا.
وقال غيره: لما ضرب بضعة عشر سوطًا أقبل الدم من أكتافه، وكان عليه سراويل فانقطع خيطه، فنزل السراويل، فلحظته وقد حرك شفتيه فعاد السراويل كما كان، فسألته فقلت: إنك حركت شفتيك فما قلت؟ قال: قلت: إلهي وسيدي، أوقفتني هذا الموقف فلا تهتك لي سترًا على رؤوس الخلائق. فعاد السراويل كما كان.
وقال آخر: لما قدم وجرد وبقي في سراويله، فبينما هو يضرب انحل السراويل، فحرك شفتيه، فرأيت يدين خرجتا من تحته وهو يضرب فشدتا السراويل.
وقال بعض الجلادين: لقد بطل أحمد الشطار، والله لقد ضربته ضربًا لو برك لي بعير فضربته ذلك الضرب لنقبتُ عن جوفه.
وقال آخر: والله لقد ضربته ثمانين سوطًا لو ضربت فيلًا لهدَّتْه. وكان أحمد كثيرًا ما يقول: رحم الله أبا الهيثم، عفا الله عن أبي الهيثم. فسئل عنه فقال: لما أخرجت السياط ومدت يداي إلى العقابين إذا أنا بإنسان يجذب ثوبي من ورائي ويقول: أتعرفني؟ قلت: لا. قال: أنا أبو الهيثم العيَّار اللص الطَّرَّار، مكتوب في ديوان أمير المؤمنين أني ضربت ثمانية عشر ألف سوط بالتفاريق، وصبرت في ذلك على طاعة الشيطان لأجل الدنيا، فاصبر أنت في طاعة الله لأجل الدين. فضربت ثم عفي عني، ولقد كنت كلما أحسست بالضرب ذكرت قوله فثبتني. وكان يقول له الموكَّل به: ادع على ظالمك. فيقول أحمد: ليس بصابر من دعا على ظالمه.
وكان بشر بن الحارث يوم ضرب أحمد واقفًا على الباب يقول اللهم ثبته. اللهم أعنه. ثم لم يزل كالحيران، ويقول: إن كان أجاب حتى أدخل فأقوم مقامه. فخرج رجل فقال: لم يجبهم. فقال: الحمد لله.