للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وثلج، فأخذ ونظر إليه هنية، ثم رده عليه ولم يشرب، فجعلت أعجب من صبره على الجوع والعطش وهو في ما هو فيه.

قال صالح بن أحمد: لقد كنت ألتمس أن أوصل إليه طعامًا ورغيفًا أو رغيفين في تلك الأيام فلم أقدر على ذلك. وتفقده بعض من حضر في هذه الثلاثة الأيام وهم يناظرونه ويكلمونه، فما لحن في كلمة. قال: وما ظننت أن أحدًا يكون في مثل شجاعته وشدة قلبه.

وقال ابن مصعب: ما رأيت أحدًا لم يداخل السلطان ولا خالط الملوك أثبت قلبًا من أحمد يومئذٍ، ما نحن في عينه إلا كأمثال الذباب، وكان عند دار الخليفة خلق من الناس لا يحصي عددهم إلا الله، بأيديهم الصحف والأقلام والمحابر في أذرعتهم، يكتبون ما يقول في المناظرة، فأخبره المروذي، فقال أحمد بن حنبل: هؤلاء كلهم! والله لأقتلن نفسي ولا أضل هؤلاء.

فانظر إلى هذا الإِمام، فلقد هانت عليه نفسه في الله فبذلها، وشدةُ ابتلائه دليلٌ على قوة دينه.

قال ميمون ابن الأصبغ: كنت ببغداد، فسمعت ضجة، فقلت: ما هذا؟ قيل: أحمد بن حنبل يمتحن. فأتيت منزلي، فأخذت مالًا له خطر، فذهبت به إلى من يدخلني المجلس، فأدخلوني، فإذا بالسيوف قد جردت، والرماح قد ركزت، والتراس قد نصبت، والسياط قد طرحت، فألبسوني قباء أسود ومنطقة وسيفًا، وأوقفوني حيث أسمع الكلام، فأتى أمير المؤمنين، فجلس على كرسي، وأتي بأحمد فقال له: وقرابتي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأضربنك بالسياط أو تقول ما أقول. ثم التفت إلى جلاد فقال: خذه. فأخذه، فلما ضرب سوطًا قال: بسم الله. فلما ضرب الثاني قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. فلما ضرب الثالث قال: القرآن كلام الله غير مخلوق. فلما ضرب الرابع قال: {لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} فضرب تسعة وعشرين، وكانت تكته حاشية ثوب، فانقطعت، فنزلت سراويله إلى عانته، فقلت: الساعة ينهتك. فرمى أحمد طرفه نحو السماء، وحرك شفتيه، فما كان بأسرع من أن بقي