أيديكم. فلما ضربت تسعة عشر سوطًا قام إليّ المعتصم فقال: يا أحمد، علام تقتل نفسك؟ إني والله شفيق عليك. فجعل عجيف ينخسني بسيفه ويقول: تريد أن تغلب هؤلاء كلهم. وجعل بعضهم يقول: ويلك، الخليفة على رأسك قائم. وقال بعضهم: يا أمير المؤمنين، اقتله ودمه في عنقي، وجعلوا يقولون: يا أمير المؤمنين، أنت صائم وفي الشمس قائم. فقال: ويحك يا أحمد، ما تقول؟ فأقول: أعطوني شيئًا من كتاب الله أو سنّة رسوله حتى أقول به ثم رجع وجلس، وقال للجلاد: تقدم وأوجع قطع الله يدك، ثم أقام الثانية، فجعل يقول ويحك أجبني. وجعلوا يقبلون عليّ ويقولون: ويلك يا أحمد إمامك قائم على رأسك! وجعل عبد الرحمن يقول: من صنع من أصحابك في هذا الأمر ما تصنع؟ وجعل المعتصم يقول: ويحك أجبني إلى شيء لك فيه أدنى فرج حتى أطلق عنك بيدي. فقلت: يا أمير المؤمنين، أعطوني شيئًا من كتاب الله أو سنّة رسوله حتى أقول به. فرجع فجلس، وقال للجلادين: تقدموا. فجعل الجلادون يتقدمون، فيضربني هذا سوطين، ويتنحى، وهو يقول في خلال ذلك: شد، قطع الله يدك. فذهب عقلي، فأفقت بعد ذلك، فإذا الأقياد قد أطلقت عني، فقال لي رجل ممن حضر: إنا كبَبْنَاك على وجهك، وطرحناك على بارِيَّة، ودُسْناك، وما شعرت بذلك. فأتوني بسويق وقالوا لي: اشرب وتقيأ. فقلت: لست أفطر. ثم جيء بي إلى دار إسحاق بن إبراهيم، فحضرت صلاة الظهر، فتقدم ابن سَمَاعة فصلى، فلما انفتل من الصلاة قال لي: صليت والدم يسيل في ثوبك فقلت: قد صلى عمر وجرحُه يَثْعَب دمًا. ثم خلي عني فصرت إلى منزلي.
فمكث في السجن وكانت مدة ذلك منذ أخذ وحمل إلى أن ضرب وخلَّي عنه ثمانية وعشرون شهرًا.
قال بعض من كان معه في الحبس: والله ما رأيت أحدًا يشبه أحمد بن حنبل، فلقد جعلت أقول في وقت ما يوجه إلينا بالطعام: يا أبا عبد الله، أنت صائم، وأنت في موضع تعبد. ولقد عطش مرة فقال لصاحب الشراب: ناولني فناوله قدحًا فيه ماء