أحمد بن حنبل؟ فسكتُّ، ثم ثانية فسكتُّ، فقال ثالثة: أنت أبو عبد الله أحمد بن حنبل؟ قلت: نعم. قال: اصبر ولك الجنة. فلما مسني حرُّ السوط ذكرت قول الرجل، قال أحمد: وكانت الليلة الثالثة، قلت: خليق أن يحدث غدًا من أمري شيء، فقلت لبعض من كان معي الموكَّل بي: جئني بخيط. فجاءني بخيط فشددت به أقيادي، ورددت التكة إلى سراويلي مخافة أن يحدث من أمري شيء فأتعرى، فلما كان من الغد في اليوم الثالث وجه إليّ فأدخلت، فإذا الدار غاصة، فجعلت أدخل من موضع إلى موضع، وقوم معهم السيوف، وقوم معهم السياط وغير ذلك، ولم يكن في اليومين الماضيين كبير أحدٍ من هؤلاء، فلما انتهيت إليه قال: اقعد. ناظروه، كلِّموه فجعلوا يناظروني، فيتكلم هذا فأرد عليه، ويتكلم هذا فأرد عليه، وجعل صوتي يعلو أصواتهم، فجعل بعض من على رأسه قائم يومئُ لي بيده، فلما طال المجلس نحاني، ثم خلا بهم، ثم نحاهم وردني إليه، وقال: ويحك يا أحمد، أجبني حتى أطلقك بيدي. فرددت عليه نحوًا مما كنت أرد عليه، فقال: عليك .. وذكر اللعن، ثم قال: خذوه، واسحبوه، واخلعوه. فسحبت، ثم خلعت، وقد كان صار إلي شعر من شعر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فصررته في كمي، فوجه إليّ إسحاق بن إبراهيم وقال: ما هذا المصرور في كمك؟ فقلت: شعر من شعر النبي - صلى الله عليه وسلم -. وسعى بعض القوم إلى القميص ليخرقه عليّ، فقال لهم المعتصم: لا تخرقوه. فنزع القميص عني، فظننت أنه إنما دُرِئ عن القميص الخرق بسبب الشعر الذي كان فيه، وجلس المعتصم على كرسي، ثم قال: العُقابين والسياط. فجيء بالعُقابين، فمدت يداي، فقال بعض من حضر خلفي: خذ ناتئ الخشبتين، وشدَّ عليهما. فلم أفهم ما قال، فتخلعت يداي.
ولما أحضر للمعتصم العقابين لانَ لأحمد لما علق بالعقابين، ولما رأى من ثبوته وصلابته وتصميمه في أمره حتى أغراه ابن أبي دؤاد وقال له إن تركتَه قيل: إنك تركت مذهب المأمون. فهاجه ذلك على ضربي، ولما جيء بالسياط نظر إليها المعتصم فقال: ائتوني بغيرها. فأتي بغيرها، فقال للجلادين: تقدموا، فجعل يتقدم إليّ الرجل منهم، فيضربني سوطين فيقول له المعتصم: شدّ، قطع الله يدك. ثم يتنحى، فيتقدم الآخر، فيضربني سوطين، وهو في كل ذلك يقول: شدّ، قطع الله