من ذلك فيه أدنى فرج حتى أطلق عنك بيدي. فقلت: أعطوني شيئًا من كتاب الله أو سنّة رسول الله. فطال المجلس، فقام ودخل، ورددت إلى الموضع الذي كنت فيه، فلما كان بعد المغرب وجه إليّ برجلين من أصحاب ابن أبي دؤاد يبيتان عندي، ويناظراني، ويقيمان معي حتى إذا كان وقت الإِفطار جيء بالطعام، ويجتهدان في أن أفطر فلا أفعل، ووجه إليَّ المعتصم ابن أبي دؤاد في بعض الليالي فقال: يقول لك أمير المؤمنين، ما تقول؟ فرددت عليه نحوًا مما كنت أرد، فقال ابن أبي دؤاد: والله لقد كتب اسمك في السبعة يحيى بن معين وغيره - يعني يحيى بن معين وأبا خيثمة وأحمد الدَّوْرَقي والقواريري وسعدويه وسجادة وأحمد بن حنبل وقيل خلف المخرمي - ولقد ساءني أخذهم إياك، إن أمير المؤمنين حلف أن يضربك ضربًا بعد ضرب وأن يلقيك في موضع لا ترى فيه الشمس، وإن أجابني جئت إليه حتى أطلق عنه بيدي. ثم انصرف.
فلما أصبح - وذلك اليوم الثاني - جاء رسوله فأخذ بيدي حتى ذهب بي إليه، فقال لهم: ناظروه، وكلموه. فجعلوا يناظرونني، ويتكلم هذا من ها هنا فأرد عليه، ويتكلم هذا من ها هنا فأرد عليه، فإذا جاء بشيء من الكلام ليس في كتاب الله ولا سنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا فيه خبر قلت: لا أدري ما هذا؟ فيقولون: يا أمير المؤمنين، إذ توجهت الحجة له علينا ثبت، وإذا كلمناه بشيء آخر يقول: ما أدري ما هذا؟ فقال: ناظروه. فقال رجل: يا أحمد أراك تذكر الحديث وتنتحله. قلت: ما تقول في {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} فقال: خص بها المؤمنين. فقلت: ما تقول إن كان قاتلًا أو عبدًا أو يهوديًا. فسكتَ، فسكتّ، وإنما احتججت عليهم بهذا لأنهم يحتجون بظاهر القرآن، وحيث قال: أراك تنتحل الحديث. فلم يزالوا كذلك إلى قرب الزوال، فلما ضجر قال لهم: قوموا وخلا بي وبعبد الرحمن بن إسحاق، فلم يزل يكلمني، ثم قام ودخل، ورددت إلى الموضع.
وقال أحمد: كان قبيل أن أضرب نام بعض من كان معي من أصحابي وبقيت متفكرًا في أمري، فإذا أنا برجل طويل يتخطى الناس، حتى دنا مني فقال: أنت