للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من أعمال دمشقَ، وتلقى العلوم في مدَّةٍ لا تزيد على ست سنوات عن جهابِذَةِ المشايخ أشهرُهُم الشيخُ العَلَّامَةُ محمدٌ بنُ عثمانَ الحنبليُّ المشهورُ بخطيب دُوْمَا، المتوفى سَنَةَ ثمانٍ وثلاث مئة وألف المتقدم، ثم بعدَ تلكَ المدَّةِ عَكَفَ على المطالعة لنفسه حتَّى بَرَعَ في الكتابِ، والسُّنَّةِ، والأَصْلين، والمذهب، ومعرفةِ الخلاف، وسائر العلوم العقلية، والأدبية، والرِّياضيَّة، وكان مقتفيًا لطريقةِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، مدافعًا عنها، صابرًا على أذى الأعداء فيها، تاركًا للتعصب، مع الدين والتقوى، والعِفَّةِ والصَّلاح، زاهدًا في حطامِ الدنيا، متقلِّلًا منها، متقشِّفًا في ملبسه، ومعيشته، ومسكنه، كثيرَ التَّنَقُّل بين غوطَةِ دمشق لتبليغِ العلم للعامَّة، وتعليمه للطلبة الذين لا يستطيعون الرِّحلة لأَنَّ أكثر أهل هذه القرى حنابلة المذهب، وارتحل إليه آخرون من القازان وغيرها، فكانوا يسألونه عن المشكلاتِ فيحلُّها لهم بأجوبةٍ مُفَصَّلةٍ، وكان فيما مَضَى يدرِّسُ تحتَ قبة النسر في الجامع الأُمَوِيِّ التفسير، والحديثَ، والفِقْهَ، ثم انتقل إلى مدرسة عبد الله باشا العظم المُشْرِفَةِ على القلعة الفرنسوية أخيرًا، وكانَ شافعيًا، ثم تَحَنْبَلَ، وسببُ ذلك كما قاله هو لبعض الخواص: كنت في أوَّل عمري ملازمًا لمذهب الشافعي، سالكًا فيه سبيلَ التقليد، ثم مَنَّ الله عليَّ فحبب إليَّ الاطلاع على كتبِ التفسيرِ والحديثِ وشروحها، وأمهات كتب المذاهب الأربعة، وعلى مصنفات شيخ الإسلام ابنِ تيمية، وتلميذه ابنِ القيِّم، وعلى كتب الحنابلة، فما هو إلَّا أن فتحَ الله عليَّ، وأنارَ بصيرتي، وهداني للبحث عن الحق من غير تحزُّبٍ لمذهبٍ دونَ مذهب، فرأيت أنَّ مذهبَ الحنابلة أشدُّ تمسكًا بمنطوقِ الكتابِ العزيزِ، والسنَّةِ المطهَّرة، ومفهومهما، فكنت حنبليًا من ذلك الوَقْت. انتهى.

وقد ألَّفَ مؤلفاتٍ نافعةً شهدت له بالفضلِ وسَعَةِ الاطلاع غير أنَّ بعضها لم يكمل، ووجهه فيما يظهر ما أصيبَ به من داءِ الفالج في آخر عمره حتَّى خدرت يمناه عن الكتابة، واستعان عليها باليسرى فمنها: كتاب "جواهر الأفكار، ومعادن الأسرار" في التفسير لم يكمل، وكتاب "شرح سنن النسائي" لم يكمل، وكتاب "شرح العمدة" سمَّاه "مورد الأفهام من سلسبيل عمدة الأحكام" جزآن، و"شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد"، و"شرح الأربعين حديثًا المنذرية"، في جزء