إذ قال الواثق: والله لقد فكَّرتُ فيما دعوتُ الناس إليه من أن القرآن مخلوق، وسرعة إجابة من أجابنا، وشدة خلاف من خالفنا، حتى حَمَلْنَا مَنْ خَالفَنَا على السَّوط، والسيف، والضرب الشديد، والحبس الطويل، ولا يردعه ذلك، ولا يرده إلى قولنا، فوجدت مَنْ أجابنا رغب فيما في أيدينا، فأسرع في إجابتنا رغبة منه فيما عندنا، ووجدتُ مَنْ خالفنا منعه دِينٌ وورع عن إجابتنا، وصَبَرَ على ما يناله من القتل والضرب والحبس، فوالله لقد دخل قلبي من ذلك اليوم أمر، شككتُ فيما نحن فيه، وفي محنة من نمتحنه، وعذاب من نعذبه في ذلك، حتى هممت بترك ذلك الكلام والخوض فيه، ولقد هممت أن آمر بالنداء في ذلك، وأكف الناس بعضهم عن بعض. فبدأ ابن أبي دؤاد فقال: الله الله يا أمير المؤمنين أن تميت سنة قد أحييتها، وأن تبطل دينًا قد أقمته، وقد جهد الأسلاف فما بلغوا فيه ما بلغت، فجزاك الله عن الإِسلام والدِّين خير ما جزى وليًا عن أوليائه. ثم أطرقوا رؤوسهم ساعة يفكرون في ذلك، فبدأ ابن أبي دؤاد، وخاف أن يكون من الواثق في ذلك أمر ينقض عليه قوله، ويفسد عليه مذهبه، فقال: والله يا أمير المؤمنين: إن هذا القول الذي نحن عليه، وندعو الناس إليه لهو الذي ارتضاه الله لأنبيائه ورسله، وبعث به نبيه محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، ولكن عمي الناس عن قبوله. فقال الواثق: فإني أريد أن تباهلوني على ذلك! فقال ابن أبي دؤاد: ضربه الله بالفالج في الدنيا قبل الآخرة إن لم يكن ما يقول أمير المؤمنين حقًا "إن القرآن مخلوق".
وقال محمد بن عبد الملك الزيَّات: وهو فيسمِّر الله بدنه بمسامير من حديد في دار الدنيا قبل الآخرة إن لم يكن ما يقول أمير المؤمنين حقًا "إن القرآن مخلوق".
وقال إسحاق بن إبراهيم: فأنتن الله ريحه في دار الدنيا قبل الآخرة حتى يهرب منه حميم وقريب إن لم يكن ما يقول أمير المؤمنين حقًا "إن القرآن مخلوق".
وقال نجاح: وهو فقتله الله في أضيق مجلس إن لم يكن ما يقول أمير المؤمنين حقًا "إن القرآن مخلوق".
ودخل عليهم إيتاخ: وهم في ذلك فأخذوه على البديهة، وسألوه عن ذلك