من ساعته، وأَمرَ فكبب له منه، ثم أمر فأغلي منه بالخل، ثم قدم له منه، فأخَذ ينتقل به على شرابه، وأتتْ عليه الأيام والليالي فسقى بطنُه، فجمع له الأطباء فأجمعوا كلهم على أنه لا دواء له إلا أن يسجر تنور بحطب الزيتون، ويسجر حتى يمتلئ جمرًا، فإذا امتلأ كُسِحَ ما في جوفه فألقي على ظهره، وحشي جوفه بالرَّطبة، ويقعد فيه ثلاث ساعات من النهار، فإذا استسقى ماءً لم يُسْق، فإذا مضت ثلاث ساعات كوامل أخرج منها، وأجلس جلسة منتصبة على نحو ما أمروا به، فإذا أصابه الروح وجد لذلك وجعًا شديدًا، وطلب أن يردَّ إلى التَّنور فلا يرد، وترك على حاله حتى تمضي ساعتان من النهار، ثم يجري ذلك الماء، ويخرج من مخارج البول. فإن سقي ماءً أو رُدَّ إلى التنور كان ذلك تَلَفَهُ.
فأمر بتنور فاتُّخذ له، وسُجر بحطب الزيتون حتى إذا امتلأ جمرًا أُخرج ما فيه، وجعل على ظهره، ثم حُشي بالرَّطبة، وعُرِّي وأُجْلِسَ فيه، وأقبلَ يَصيحُ ويستغيث ويقول: أحرقتموني اسقوني ماءً، وقد وُكَّل به من يمنعه الماءَ، ولا يدعه أن يقوم من موضعه الذي قد أُقْعِدَ فيه، ولا يتحرك، فتَنَفَّطَ بدنهُ كله، فصارت فيه نفاخات مثل أكبر البطيخ وأعظمه، فترك على حالته حتى مضت ثلاث ساعات من النهار، ثم أخرج وقد كاد أن يحترق، ويقول القائل في رأي العين: قد احترق: فأجلسه المتطببون فلما وجد روح الهواء اشتدَّ به الوجع والألم، وأقبل يصيح، ويخور خوار الثور: ردُّوني إلى التنور، ردوني إلى التنور، فإني إن لم أردَّ متُّ، فاجتمع نساؤه وخواصه لما رأوا به من شدة الألم والوجع وكثرة الصياح، فرَجَوْا في أن يكون فَرَجُه في أن يرد إلى التنور فَرَدُّوه إلى التَّنور ثانيةً، فلما وَجَدَ مَسَّ النار سكن صياحه، وتفطَّرت النفَّاطات التي خرجت ببدنه، وخمدت وبرد جوف التنور، فأخرج من التنور وقد احترق وصار أسود كالفحم، فلم تمضِ به ساعة حتى قضى.
فأضحكُ أنه لم يَدْعُ أحد منهم على نفسه بدعوة في تلك الساعة إلا استُجيبت.
وفي هذا الباب حكايات أخرى تركتها للاكتفاء بهذه القصة العجيبة.