والفروع، وله الخاطر العاطر، والفهم الثاقب، والفطنة البغدادية، والتبريز في المناظرة على الأقران، والتصانيف الكبار، ومَنْ طالع مصنَّفاته أو قرأ شيئًا من خواطره وواقعاته في كتابة الفنون، عرف مقدار الرجل. وقال في موضع آخر: أفتى ودرَّس وناظر، وجمع له علم الأصول والفروع، وصنف فيهما الكتب الكبار، وكان حافظًا لزمانه، لا يضيع منه شيئًا، وله لوقاعات المستحسنة، والخاطر الحاد، وكان فيه تديُّن وحفظ للحدود فلما مرض مَرَضَ الموت بكى النساء فقال: قد دفعت عنه خمسين سنة، فدعوين أتهنى بلقائه، فتوفي بكرة الجمعة في التاريخ المتقدم، وكان الجمع على جنازته عظيمًا، يحزر بثلاث مئة ألف، ودفن في دكة الإِمام أحمد. انتهى.
وقال ابن العماد (١): وهو شيخ الحنابلة، وصاحب التصانيف، كان إمامًا مبرّزًا كثير العلوم، خارق الذكاء، مكبًّا على الاشتغال والتصنيف، عديم النظير، روى عن أبي محمد الجوهري، وتفقه على القاضي أبي يعلى وغيره، وأخذ علم الكلام عن أبي علي بن الوليد، وأبي القاسم بن التبَّان.
قال السِّلَفي: ما رأيت مثله، وما كان أحد يقدر أن يتكلم معه لغزارة علمه، وبلاغة كلامه، وقوة حجته.
وقال ابن رجب: قرأ القرآن بالقراآت والروايات على أبي الفتح بن شِيْطا، وكان يقول: شيخي في القراءة ابن شيطا وفي الزهد أبو بكر الدِّيْنَوري، وأبو بكر بن زيدان، وأبو الحسين القَزْويني، وجماعة غيرهم من الرجال والنساء، وفي أدب التصوف أبو منصور صاحب "الزيادة" العطَّار، وأثنى عليه، وفي الحديث ابن النُّوري، وأبو بكر بن بِشْران، والعُشَاري، والجوهري وغيرهم، وفي الشعر والترسُّل ابن شبل، وابن الفضل، وفي الفرائض أبو الفضل الهَمَذاني، وفي الوعظ أبو طاهر بن العلَّافِ صاحب ابن سَمْعُون، وفي الأصول ابن الوليد، وأبو القاسم بن التبَّان، وفي الفقه القاضي أبو يعلى، وقال فيه: المملوء عقلًا وزهدًا وورعًا، قرأت عليه سنة سبع وأربعين، ولم أُخلَّ بمجالسه وخَلَواته، التي تتسع لحضوري والمشي معه ماشيًا، وفي