ركابه إلى أن توفي، وحظيت من قربه بما لم يحْظَ به أحدٌ من أصحابه مع حداثة سني، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي إمام الدنيا وزاهدها، وغارس المناظرة وواحدها، كان يعلِّمني المناظرة، وانتفعت بمصنفاته، ومن مشايخي أبو محمد التميمي، كان حسنة العالَم، وماشطة بغداد، ومنهم أبو بكر الخطيب، كان حافظ وقته، وكان أصحابنا الحنابلة يريدون مني هجران جماعةٍ من العلماء، وكان ذلك يحرمني علمًا نافعًا، ثم قال: وعانيت من الفقر، والنسخ بالأجرة مع عفة وتقى، ولا أزاحم فقيهًا في حلقة، ولا تطلب نفسي رتب أهل العلم القاطعة لي عن الفائدة، وتقلَّبت على الدول، فما أخذتني دولة سلطان ولا عامة عما أعتقد أنه الحق، فأوذيت من أصحابي، حتى طلب الدم، وأوذيت في دولة النظام بالطلب والحبس، فيا مَنْ أوذيت من أجله ولا تخيِّب ظني فيك، وعصِمْني الله في عُنْفُوان شبابي بأنواع العصمة، وقصر محبتي على العلم وأهله، فما خالطت لعَّابًا قط، ولا عاشرت من أمثالي في طلبة العلم.
والأذية التي ذكرها من أصحابه له، وطَلَبُهم منه هجرانَ جماعةٍ من العلماء، فذكر بعض شرحها، وذلك أن أصحابنا الحنابلة كانوا ينقمون على ابن عقيل تردُّده إلى ابن الوليد، وابن التبَّان شيخي المعتزلة، وكان يقرأ عليهما في السر علم الكلام، ويظهر منه في بعض الأحيان نوع انحرافٍ عن السنّة، وتأول بعض الصفات، ولم يزل فيه بعض ذلك إلى أن مات، ففي سنة إحدى وستين اطلعوا له على كتب فيها شيء من تعظيم المعتزلة، والترحم على الحلَّاج وغير ذلك، ووقف على ذلك الشريف أبو جعفر وغيره، فاشتدَّ ذلك عليهم وطلبوا أذاه فاختفى، ثم التجأ إلى دار السلطان، ولم يزل أمره في تخبيط إلى سنة خمس وستين فحضر في أولها إلى الديوان، ومعه جماعة من الأصحاب، واصطلحوا ولم يحضر الشريف أبو جعفر، فمضى ابن عقيل إلى بيته وصالحه، وكتب خطه بالتبرِّي من موالاة أهل البدع، والترحُّم على أمواتهم، وعلى الحلَّاج وأمثاله، وأشهد عليه جماعةً كثيرةً من الشهود والعلماء.
قال ابن الجوزي (١): وأفتى ابن عقيل، ودرَّس، وناظر الفحول، واستفتي في