القرآن ولي سبع سنين، وما من علم في عالَم الله إلا نظرت فيه، وحصَّلت منه كله أو بعضه. ورحل إليه المحدِّثون من البلاد.
وقال ابن الجوزي: ذكر لنا أن منجِّمَيْنِ حضرًا حين ولد أَبو بكر بن عبد الباقي، فأجمعا أن عمره اثنتان وخمسون سنة، قال: وها أنا قد تجاوزت التسعين، قال: ورأيته بعد ثلاث وتسعين صحيح الحواس، لم يتغيَّر منها شيء، ثابتَ العقل، يقرأُ الخطَّ الدقيق من بُعد، ودخلنا عليه قبل موته ديدة فقال: قد نزلت في أذني مادة، فقرأ علينا من حديثه، وبقي على هذا نحوًا من شهرين، ثم زال ذلك وعاد إلى الصحة، ثم مرض فأوصى أن يعمق قبره زيادة على العامة، ويكتب عليه {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (٦٧) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} وبقي ثلاثة أيام قبل موته لا يفتر من قراءة القرآن، إلى أن توفي يوم الأربعاء، ثاني رجب، سنة خمسٍ وثلاثين وخمس مئة، ودفن بباب حرب إلى جانب أبيه، قريبًا من بِشْر الحافي رحمه الله.
وقال ابن الخَشَّاب: كان ممن تفرَّد بعلم الحساب، وكان مع تفرده فيه وفي الفرائض وافتنانه في علوم عديدةٍ، صَدُوقًا، ثَبْتًا في الرواية، متَحدِّيًا فيها.
وقال ابن ناصر: لم يخلَّف بعده من يقوم مقامه في العلم.
وقال ابن شافع: ما رأيت ابن الخَشَّاب يُعَظِّم أحدًا من مشايخه تعظيمه له.
وقال ابن أبي الفوارس: سمعت القاضي أبا بكر بن عبد الباقي يقول: كنت مجاورًا بمكة - حرسها الله - فأصابني يومًا جوعٌ شديدٌ، لم أجد شيئًا أدفع به عني الجوع، فوجدت كيسًا من إبريسم، مشدودًا بشراية إبريسمٍ أيضًا، فأخذته وجئت إلى بيتي فحلَلْتُه، فوجدت فيه عِقْدًا من لؤلؤ لم أرَ مثله، فخرجت وإذا شيخ ينادي عليه، ومعه حزقة فيها خمس مئة دينار وهو يقول: هذا لمن يرد علينا الكيس، فقلت: له تعال وقلت أثافي نفسي: أنا محتاجٌ وأنا جائعٌ، فآخذ هذا الذهب فانتفع به، وجئت به إلى بيتي، فأعطاني علامة الكيس، وعلامة الشرابة، وعلامة اللؤلؤ، وعدده والخيط الذي هو مشدودٌ به، فأخرجته، ودفعته إليه، فسلم لي خمس مئة دينار فما أخذتها، وقلت له: يجب أن أعيدها إليك، ولا آخذ له جزاءً، فقال لي لا بدّ أن تأخذ، وألحّ