لا توطّنها فليست بمقام … واجتنبها فهي دار الانتقام
أتُراها صنعة من صانع … أو تُراها رميةً من غير رام
انتهى.
وقد ذكر له ابن النجَّار ترجمة جيدة، وذبَّ عنه في أشياء نقلت عنه، ووَهَّى بعض ما ثَلَبه به ابنُ الجوزي، وملخص ذلك أن قال: صدقة بن الحسين بن الحسن بن بختيار، أبو الفرج، الفقيه الحنبلي، صاحب أبي الحسن الزَّاغُوني، برع في الفقه والأصول والكلام، وقرأ المنطق والحكمة، وكان متعففًا، غزير الفضل، ذا قريحةٍ حسنة، وفطنةٍ وذكاءٍ، وقد نسخ بخطه لنفسه ولغيره كثيرًا، وكان حسنَ الخط يتَقوَّت من أجر نسخه ولا يطلب من أحد شيئًا، ولا يسكن مدرسة، بل كان مقيمًا بمسجده، يصلي فيه إمامًا، ويقرئ الناس، وينسخ نحوًا من ستين سنة، وله مصنفات حسنة، ولم يزل قليل الحظ منغَّص العيش مقترًا عليه، إلى أن اتفق أن الوزير ابن رئيس الرؤساء سأل عن مسألة من الحكمة فدلُّوه عليه، فكتب له جوابًا شافيًا، وأجرى له راتبًا، وبلغ خبرُه أمَّ الخليفة فصارت تتفقَّده بأنواع الأطعمة والحلواء، وكان قد طعن في السن وسقطت أسنانه، فكان لا يتمكَّن من تناول ما يشتهيه، فيشتكي لمن يدخل عليه ذلك، فينسبوه إلى الاعتراض على القدر، وحكوا عنه اشياءَ من ذلك، ثم نقل عن أحمد البَنْدَنِيْجي أنه دخل على صدقة يومًا فوجده متضجَّرًا، فسأله فقال: كنت في شبابي وصحة شهوتي أُعطى كل يوم من خبز الخمير بغير أُدْم، فلما كبرتُ وعجَزتُ وضَعْفت الشَّهوة والمعدة، رُزقت من الأطعمة اللذيذة ما أبصره وأتحسر عليه.
وذكر قصة غلامه وخيانته إياه في بيع ذلك، إلى أن قال: ونقل عن أبي الحسن القَطِيْعي أنه سمع الوزير يُثْني عليه، ويقول: نقل ابن الجوزي عن صدقة أنه صلى إلى جانبه فما سمعه يقرأ، ثم نسب ابن الجوزي إلى التحامل قال: لأن من جعل همته وهو يصلي إلى تتبع حال غيره يقدح ذلك في خشوعه، ويدل على أنه يعاديه، والمطلوب من المصلي أن يُسمع نفسه، لا يُسمع من يليه، ثم قال: إن صدقة سمع من ابن الزَّاغُوني وابن مَلَّة وابن الحصين، وغيرهم. انتهى المراد منه.