قلت: جمع له الشيخ الضَّياء ترجمةً في جزأين، ثم قال: توفي في يوم عيد الفطر، سنة عشرين وست مئة، قاله جميعه في "العبر".
وذكر الناصح ابن الحنبلي أنه حَجَّ سنة أربع وسبعين وخمس مئة، ورجع مع وفد العراقِ إلى بغداد، وأقام بها، واشتغلنا جميعًا على الشيخ أبي الفتح، ثم رجع إلى دمشق، واشتغل بتصنيف كتاب "المغني شرح الخِرَقي"، فبلغ الأمل في إتمامه، وهو كتاب بليغ في المذهب، عشر مجلدات، تعب عليه، وأجاد فيه، وجَمَّل به المذهب، وقرأه عليه جماعةٌ، وانتفع بعلمه طائفةٌ كثيرة، قال: ونشأ على سمت أبيه وأخيه في الخير والعبادة، وغلب عليه الاشتغال بالفقه والعلم.
وقال سِبْط ابن الجوزي: كان إمامًا في فنون كثيرة، ولم يكن في زمانه بعد أخيه أبي عمر والعماد، أزهد منه ولا أورع، وكان كثير الحَيَاء، عزوفًا عن الدنيا وأهلها، هينًا لينًا، متواضعًا مُحبًا للمساكين، حسن الأخلاق، جوادًا سخيًّا، مَنْ رآه كأنَّما رأى بعض الصَّحابة، وكان النور يخرج من وجهه، كثير العبادة، يقرأ كل يوم وليلة سبعًا من القرآن، ولا يصلي ركعتي السنّة إلا في بيته اتباعًا للسُّنَّة، وكان يحضر مجالسي دائمًا بجامع دمشق وقاسِيُون.
وقال أبو شامة: كان شيخ الحنابلة، إمامًا من أئمة المسلمين، وعلمًا من أعلام الدِّين في العلم والعمل، وصنّف كُتبًا حِسَانًا في الفقه وغيره، عارفًا بمعاني الأخبار والآثار، سمعت عليه أشياء. وجاءه مرةً الملك العادل يزوره، فصادفه يصلي، فجلس بالقرب منه إلى أن فرغ من الصلاة، ثم اجتمع به، ولم يتجوَّز في صلاته. ومن أظرف ما حكي عنه أنه كان يجعل في عِمامته ورقةً مصرورةً فيها رملٌ يَرْمُل به ما يكتبه للناس من الفتاوى والإِجازات وغيرها، فاتفق ليلةً أن خطفت عِمامته، فقال لخاطفها: يا أخي خذ من العِمامة الورقة المصرورة بما فيها، ورُدَّ العمامة أغطي بها رأسي، وأنت في أوسع الحِلَّ مما في الورقة، فظن الخاطف أنها فضة، ورآها ثقيلةً فأخذها، وردَّ العمامة، وكانت صغيرةً عتيقةً، فرأى أخذ الورقة خيرًا منها بدرجات، فخلَّص الشيخ عِمامته بهذا الوَجْه اللَّطيف.