الأيّام في أوانه، وحيدُ الزَّمان حقًّا، وفريدُ العصر صِدقًا صِدقًا، الجامعُ لأنواعِ المَحاسِن والمَعالي، البريءُ من جميعِ النَّقائِص والمَساوِي، القَارنُ بين خُلُقَي العِلم والعَمَل، والحَسَب والنَّسَب، والعَقْلِ والفَضْلِ، والخُلُقِ والخَلْق. ذو الأخلاق الزَّكيَّة، والأعمال المَرْضِيَّة، مع سَلامة الصَّدر والطَّبع، واللُّطف والرِّفق، وحُسْن النِّيَّة، وطِيب الطَّوِيَّة، حتى إن كان المُتعَنِّتُ يطلبُ له ذَنْبًا فيُعْوِزُه ذلك.
قال الذَّهبيُّ: وكان الشيخُ مُحيي الدِّين النَّووي يقول: هو أجَلُّ شُيوخي. وأوَّلُ ما وَليَ مشيخةَ دار الحديث، سنة خمس وستين وستِّ مئة. حدّث عنه بها. وقال ابنُ رجب: روى عنه محيي الدِّين النَّووي في كتابه "الرُّخصة في القِيام"، فقال: أنبأنا الشَّيخُ الإِمامُ المُتَّفَقُ على إمامته، وفَضله، وجَلالته، القاضي أبو محمَّد بن الشَّيخ الإِمام، العالم العامل، الزَّاهد، أبي عُمر المقدسيّ، رضي الله عنه.
وقال الذَّهبيُّ: وروى عنه أيضًا الشَّيخُ أحمد بنُ عبد الدائم زين الدين، وهو أكبر منه وأسند. وذكره في "تاريخه الكبير"، وأطال ترجمته، وذكر فضائِلَه، وعباداتِه، وأوراده، وكرَمَه، ونفعَه العامّ، وأنه حَجَّ ثلاث مرَّات، وكان آخرها، قد رأى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في المنام، يطلبُه، فحجَّ ذلك العام. وحضَر الفُتوحات، وأنه كان رقيقَ القلبِ سريعَ الدَّمعةِ، كثيرَ الذِّكر لله تعالى، والقِيام باللَّيل، مُحافظًا على صلاة الضحى، ويصلِّي بين العشاءَين ما تيسَّر، ويُؤثر بما يأتيه من صِلات المُلوك وغيرهم. وكان مُتواضعًا عند العامَّة، مُترفِّعًا عند المُلوك. وكان مجلسُه عامرًا بالفُقهاء، والمُحدَّثين، وأهلِ الصَّلاح. وأوقع الله محبَّته في قلوب الخَلْق. وكان كثيرَ الاهتِمام في أمور الناس لا يكاد يعلم بمريض إلَّا افتَقَدهُ، ولا مات مَيِّتٌ من أهل الجَبَل إلا شَيِّعه. وذكر فخرُ الدِّين البَعْلَبَكِّي: أنَّه مُنذ عرفه، ما رآه غَضِب، وعرفه نحو خمسين سنة. وقد وَلي القضاءَ مُدَّةً تزيد على اثنتي عشْرَة سَنة، على كُرْهٍ منه، ولم يُناوَل عليه مَعْلومًا. ثم عَزَلَ نفسَهُ في آخر عمره، وبقي قضَاءُ الحنابلة شاغرًا، حتَّى ولي ولدهُ نجمُ الدَّين في آخر حياة الشيخ. وكان الشَّيخُ ينزِلُ في ولايته الحُكم على بَهيمة إلى البَلد. وقد ذكر أبو شامة في ولايَّة الشَّيخ، سَنة أربع وستِّين، قال: جاء من مصر ثلاثةُ